للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد عرض المؤلف للمسألة، ولم يذكر دليلًا، ودليل الجمهور هو الحديث الذي مَرَّ بنا، وهو حديث جابر بن عبد الله المتفق عليه: "أن رجلًا من الأنصار أعتق مملوكًا له عن دُبُر منه -أعتق مملوكًا، وهو محتاج إليه- فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن يَشتريه مِنِّي". فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم، فدفعها إليه، أي: دفعها إلى الرجل المحتاج، أي: رد إليه قيمة ذلك العبد، وقال: "أنتَ أحوجُ منه" (١). وفي بعض الروايات، وهي -أيضًا- في "صحيح مسلم وهي رواية صحيحة: "وكان محتاجًا وعليه دَيْنٌ" (٢). فاستدلوا بهذه الرواية: "وعليه دَيْنٌ"، فمعنى ذلك أن الدَّيْن يُؤثر في التدبير، فإذا كان عليه دين فإنه يرد، وهذه قضية ننبه إليها: الدَّيْنُ هو من أهم الأمور ومِن أخطرها، ومن أكثر ما يتركه الإنسان في هذه الحياة مسؤولية بعد وفاته، وتعلمون بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تَوَقَّف عن الصلاة على مَن عليه دين، فكان يسأل: "هَل عليه دَيْنٌ". فإن قالوا: عليه دين. قال: "صَلُّوا عَلى صَاحِبكم" (٣). وتعلمون عندما توقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة على رجل، فقال أبو قتادة: دينه عليَّ، فقال: "الآن بردت عليه جلدُه" (٤).


(١) تقدم تخريجه.
(٢) هذه الرواية ليست في مسلم، وإنما أخرجها النسائي، كما سبق.
(٣) أخرج البخاري (٢٢٨٩)، عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه -، قال: "كنا جلوسًا عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ أتي بجنازة، فقالوا: صَلِّ عليها، فقال: "هل عليه دَيْنٌ؟ ". قالوا: لا. قال: "فهل ترك شيئًا؟ ". قالوا: لا، فصلى عليه، ثم أتي بجنازة أخرى، فقالوا: يا رسول الله، صَلِّ عليها، قال: "هل عليه دين؟ ". قيل: نعم، قال: "فهل ترك شيئًا؟ "، قالوا: ثلاثة دنانير، فصلى عليها، ثم أتي بالثالثة، فقالوا: صَلِّ عليها، قال: "هل ترك شيئًا؟ "، قالوا: لا، قال: "فهل عليه دين؟ "، قالوا: ثلاثة دنانير، قال: "صَلُّوا على صاحبكم". قال أبو قتادة: صلِّ عليه يا رسول الله وعليَّ دينه، فصَلَّى عليه".
(٤) أخرج هذه الرواية أحمد في "مسنده" (١٤٥٣٦) وغيره، عن جابر، قال: "تُوفِّي رجل فغسلناه، وحَنَّطناه، وكَفَّناه، ثم أتينا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي عليه، فقلنا: تصلي عليه؟ فخطا خُطى، ثم قال: "أعليه دينٌ؟ " قلنا: ديناران، فانصرف، فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه، فقال أبو قتادة: الديناران عليَّ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حق الغريم، وبرئ منهما الميت؟ ". قال: نعم، فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك بيوم: "ما فعل الديناران؟ ". فقال: إنما مات أمس، قال: فعاد إليه من الغد، فقال: لقد قضيتهما،=

<<  <  ج: ص:  >  >>