للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أدلة كثيرة تدل على عدم الوجوب، ومنها ما جاء تعليله عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان الناس عمال أنفسهم، فقيل لهم: لو اغتسلتم" (١). يعني: يعملون لأنفسهم، فربما يكون حدادًا، أو جزارًا، فهو يحمل في ثيابه كثيرًا من الأوساخ، ويحمل الروائح التي يتأذى بها المُصَلُّون، والمسلم دائمًا ينبغي إذا جاء المسجد أن يكون على هيئة طيبة، فلا يحمل رائحة كريهة؛ ولذلك جاء في الحديث: "مَن اكل ثومًا أو بَصَلًا فَلْيَعتزلنا، أو لِيَعتزل مسجدنا" (٢)، فعليه أن يأتي على هيئة كريمة، كما قال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} [الأعراف: ٣١]، فعمر - رضي الله عنه - عندما أراد أن يقدم على ذلك الأمر إنما استشار مَن قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أتقاكم عليٌّ" (٣). والتقى رأيهما في ذلك، وقد نهى عمر - رضي الله عنه - عن ذلك لمصلحة، وهناك حديث آخر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - سيذكره المؤلف بأنَّ أم الولد حُرَّة.

* قوله: (وَمِمَّا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ أَهْلُ الظَّاهِرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ النَّوْعُ مِنَ الِاسْتِدْلالِ الَّذِي يُعْرَفُ بِاسْتِصْحَابِ حَالِ الْإِجْمَاعِ) (٤).


(١) أخرجه البخاري (٩٠٣)، ومسلم (٨٤٧).
(٢) أخرجه البخاري (٨٥٥)، ومسلم (٥٦٤/ ٧٣).
(٣) لم أقف على هذا الحديث فيمن ذكر فضائل عليٍّ - رضي الله عنه -. ولعله من الأحاديث التي وضعتها الشيعة.
(٤) عَرَّفه بدر الدين الزركشي، فقال: "هو أن يحصل الإجماع على حكم في حال فيتغير الحال، ويقع الخلاف". انظر: "تشنيف المسامع بجمع الجوامع" (٣/ ٤٢٥).
وذكر الخطيب البغدادي اختلاف العلماء فيه، فقال: "وقد اختلف أهل العلم في هذا: فمنهم من قال: هو دليل، كما أن من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث، أو تيقن الحدث ثم شك في الطهارة، أو تيقن النكاح وشك في الطلاق، أن اليقين لا يزول بالشك، ويكون حكم السابق مستدامًا في حال الشك، فكذلك هاهنا. ومنهم من قال: ليس بدليل؛ لأن الدليل هو الإجماع، والإجماع إنما حصل قبل رؤية الماء، فإذا رأى الماء، فقد زال الإجماع، فلا يجوز أن يستصحب حكم الإجماع، في موضع الخلاف من غير علة تجمع بينهما". انظر: "الفقيه والمتفقه" (١/ ٥٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>