للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا يصل إلى المسلمين منك أذى، فإن المسلم كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "المسلم مَن سَلِم المسلمون من لسانه ويده" (١)، وهذه الأخلاق إحسان أيضًا للآخرين، والرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت أخلاقه لا تَتغير مع الكبار ولا مع الصغار، فهو يَبش في وجه الصغير ويبتسم له، وإذا مَرَّ بالصبية سَلَّم عليهم (٢)، ويحمل الصغار ويُقَبِّلهم عليه الصلاة والسلام، ويتحمل الزَّلات، وإذا عَلَّم عَلَّم بلطف ولين، وتعلمون قصة ذلك الصحابي، وأنَّ الكلام كان جائزًا في أول الأمر في الصلاة، ثم جاء النهي فلم يعلم ذلك الصحابي؛ فعطس أحد القوم، فقال: يرحمك الله، فاستغرب الصحابة، فقال: فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم يُصمتونني، ورَموني بأبصارهم إلى أن سكت، فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صلاته دعاه فقال: فوالله ما رأيتُ مُعَلِّمًا أحسن تعليمًا منه، فوالله ما كَهرني ولا ضربني ولا شتمني، إنما قال: "إنَّ هذه الصلاة لا يَصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التَّسبيح والتكبير وقراءة القرآن "، هذا هو الذي ينبغي أن يكون في هذه الصلاة (٣).

وأمثلة ذلك كثيرة جدًّا، وفي قصة الرجل الذي جاء في مسجد الخيف، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يصلي بأصحابه، ثم ينفرد يعتزل القوم، فيجلس في مُؤخرة المسجد، فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر به فجيء به وفَرائصه (٤) ترتعد، فقال: "ما مَنعك أن تُصَلِّي معنا؟ ". فقال: "إِنِّي صَلَّيْتُ في رَحْلِي ". فقال: "إذا صَلَّيْتَ في رَحْلِك وأتيت مَسجد جماعة، فَصَلِّ؛ فإنها تكون لك نافلة" (٥)، فبيَّن له رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الحكم، وما ينبغي أن يفعله،


(١) أخرجه مسلم (٦٥/ ٤١) عن جابر.
(٢) معنى حديث أخرجه البخاري (٦٢٤٧) ومسلم (٢١٦٨) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: "أنه مَرَّ على صبيان فسلم عليهم، وقال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعلُه ".
(٣) أخرجه مسلم (٥٣٧/ ٣٣) عن معاوية بن الحكم السُّلَمي.
(٤) الفريصة: هي اللحمة التي تكون بين الكتف والجنب التي لا تزال ترعد من الدَّابَّة، وجمعها: فرائص وفريص. انظر: "غريب الحديث "، للقاسم بن سلام (٣/ ١٩).
(٥) أخرجه الترمذي (٢١٩) وغيره، عن جابر بن يزيد بن الأسود، عن أبيه، وفيه: "فلما=

<<  <  ج: ص:  >  >>