للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الثاني: يقتل المأمور دون الآمر، وهو أحد قولي الشافعي.

القول الثالث: يقتلان جميعًا، وبه قال مالك، وهو أظهر الأقوال؛ لأن الآمر ألجأ إلى القتل وهدد، والمباشر باشر القتل، وما كان له أن يقتل غيره لينقذ نفسه، كما لو كان في فلاة فاضطر إلى الأكل فلم يجد إلا طعامًا لا يكفي إلا مضطرًّا مثله؛ فليس له أن يأخذه منه.

قوله: (فَمَنْ لَمْ يُوجِبْ حَدًّا عَلَى المَأْمُورِ، اعْتَبَرَ تَأْثِيرَ الإِكْرَاهِ فِي إِسْقَاطِ كَثِيرٍ مِنَ الوَاجِبَاتِ فِي الشَّرْعِ؛ لِكَوْنِ المُكْرَهِ يُشْبِهُ مَنْ لَا اخْتِيَارَ لَهُ).

شرع المؤلف رحمه الله في ذكر تعليلات تلك الأقوال التي سبقت في المسألة:

فأما من لم يوجب حدًّا على المأمور: فقد اعتبر تأثير الإكراه في إسقاط كثير من الواجبات في الشرع؛ لكون المكره يشبه من لا اختيار له (١).

قوله: (وَمَنْ رَأَى عَلَيْهِ القَتْلَ، غَلَّبَ عَلَيْهِ حُكْمَ الِاخْتِيَارِ، وَذَلِكَ أَنَّ المُكْرَهَ يُشْبِهُ مِنْ جِهَةٍ المُخْتَارَ، وَيُشْبِهُ مِنْ جِهَةٍ المُضْطَرَّ المَغْلُوبَ، مِثْلَ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ عُلُوٍّ، وَالَّذِي تَحْمِلُهُ الرِّيحُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ).

فغلَّب هؤلاء جانب الاختيار على جانب الاضطرار.

قوله: (وَمَنْ رَأَى قَتْلَهُمْ جَمِيعًا لَمْ يَعْذُرِ المَأْمُورَ بِالِإْكرَاهِ، وَلَا الآمِرَ بِعَدَمِ المُبَاشَرَةِ).

وذلك أنه فيه حفظ للدماء، وسد للذريعة؛ فلربما أكره إنسان آخر على قتل شخص، فيتخذه وسيلة وذريعة لسفك الدماء.


(١) وقد تقدم كلام للمصنف حول الإكراه في باب الطلاق، في طلاق المكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>