للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القِصَاصُ أَوِ العَفْوُ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ: أَبُو ثَوْرٍ (١)، وَدَاوُدُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ بِالعِرَاقِ. وَعُمْدَةُ هَذِهِ الطَّائِفَةِ: أَنَّ اللهَ خَيَّرَ الوَلِيَّ فِي ثَلَاثٍ: إِمَّا العَفْوُ، وَإِمَّا القِصَاصُ، وَإِمَّا الدِّيَةُ، وَذَلِكَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَقْتُولٍ سَوَاءٌ عَفَا عَنْ دَمِهِ قَبْلَ المَوْتِ أَوْ لَمْ يَعْفُ. وَعُمْدَةُ الجُمْهُورِ: أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي جُعِلَ لِلْوَلِيِّ إِنَّمَا هُوَ حَقُّ المَقْتُولِ، فَنَابَ فِيهِ مَنَابَهُ، وَأُقِيمَ مَقَامَهُ، فَكَانَ المَقْتُولُ أَحَقَّ بِالخِيَارِ مِنَ الَّذِي أُقِيمَ مَقَامَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَقَدْ أَجْمَعَ العُلَمَاءُ (٢) عَلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: ٤٥] أَنَّ المُرَادَ بِالمُتَصَدِّقِ هَاهُنَا هُوَ المَقْتُولُ يَتَصَدَّقُ بِدَمِهِ).

أي: لو أن إنسان أصيب ولم يمت مباشرة، بل بقي فترة فعفا عن الجرح الذي أصيب به، والجرح يسري إلى النفس ثم مات؛ هل يعتبر عفوه؟ أم ينتقل الحق إلى الورثة لأنه حق موروث؟


(١) يُنظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٨/ ١٧٨)، حيث قال: "وممن قال: إن للمقتول أن يعفو عن دمه ويجوز على أوليائه وورثته كقول مالك ت الحسن البصري … وهو أحد قولي الشافعي، وقال بالعراق: عفوه باطل؛ لأن الله -عزَّ وجلَّ- جعل السلطان لوليه؛ فله العفو والقصاص إن شاء، أو الدية، ولا يجوز ذلك إلا بموته، وبه قال أبو ثور وداود".
وما عزاه للشافعي من قوله بالعراق لم أجده صريحًا، ولكن ينظر: "كفاية النبيه" لابن الرفعة (١٥/ ٤٥٣)، حيث قال: "إذا جنى عليه جناية توجب القصاص، إذا اندملت: كقطع الأصبع ونحوها، فعفا المجني عليه على الدية، ثم سرت إلى النفس: لم يجب قصاص النفس، وفيه الوجه المنسوب إلى أبي الطيب ابن سلمة".
وقد علل الرافعي الوجه المنسوب لابن سلمة، وجعله عن تخريج ابن سريج، ينظر: "الشرح الكبير" (١٠/ ٢٥٨)، حيث قال: "وسقوط القصاص في الطرف لا يوجب سقوطه في النفس؛ ألا ترى أنه لو استوفى قصاص الطرف، ثم مات المجني عليه بالسراية، وجب قصاص النفس، فليكن السقوط بالعفو كالسقوط بالاستيفاء، ويحكى هذا عن تخريج ابن سريج".
(٢) يُنظرْ: "الاستذكار" لابن عبد البر (٨/ ١٧٩)، حيث قال: "ولم يختلف العلماء أن المتصدق هاهنا: هو المقتول؛ يتصدق بدمه على قاتله، أي: يعفو عنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>