للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالنَّفْسِ الوَاحِدَةِ، وَفَرَّقَتِ الحَنَفِيَّةُ (١) بَيْنَ النَّفْسِ وَالأَطْرَافِ؛ فَقَالُوا: لَا تُقْطَعُ أَعْضَاءٌ بِعُضْوٍ، وَتُقْتَلُ أَنْفُسٌ بِنَفْسٍ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّ الأَطْرَافَ تَتَبَعَّضُ، وَإِزْهَاقَ النَّفْسِ لَا يَتَبَعَّضُ).

صورة المسألة: أن يشترك خمسة مثلًا في قطع يد رجل، فهل تقطع يد واحدة أو تقطع أيدي أولئك الخمسة؟

ذهب مالك وهو مشهور مذهب الإمام أحمد: إلى قطع أيدي الجميع؟ كما هو الحال فيما لو اشترك جماعة في قتل رجل قإنهم يقتلون به جميعًا، بل إن إزهاق النفس أعظم من إتلاف عضو، قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧٩)} [البقرة: ١٧٩]، كما أن في هذا القول سدًّا للذريعة، كما هو واضح عند التأمل.

وذهب الحنفية إلى أنه لا تقطع إلا يد واحدة، واستدلوا بما جاء عن علي -رضي الله عنه-: أن رجلين أتياه برجل فقالا: "هذا سرق "، وشهدا فقطع علي -رضي الله عنه- يده، ثم جاءا بآخر، وقالا: "يا أمير المؤمنين؛ هذا هو السارق، وقد أخطأنا"، فلم يجز شهادتهما، وغرمهما دية يد الأول، وقال: "لو أعلمكما تعمدتما لقطعتكما" (٢) (٣).


= لقصاص الطرف والجرح ما شرط للنفس، ولو وضعوا سيفًا على يده وتحاملوا عليه دفعة فأبانوها قطعوا".
وهو مذهب الحنابلة. يُنظر: "الإقناع" للحجاوي (٤/ ١٩٨)، حيث قال: "وإن اشترك جماعة في قطع طرف أو جرح موجب للقصاص حثى ولو في موضحة أو تساوت أفعالهم فلم يتميز فعل أحدهم عن فعل الآخر: … فعليهم كلهم القصاص ".
(١) يُنظر: "الدر المختار وحاشية ابن عابدين" (٦/ ٥٥٧)، حيث قال: " (قطع رجلان) فأكثر (يد رجل) أو رجله أو قلعا سنه ونحو ذلك مما دون النفس جوهرة (بأن أخذًا سكينا وأَمَرَّاها على يده حتى انفصلت فلا قصاص) عندنا (على واحد منهما) أو منهم ".
(٢) علقه البخاري بدون رقم (٩/ ٨) باب: إذا أصاب قوم من رجل، هل يعاقب أو يقتص منهم كلهم؟ وأخرجه عبد الرزاق (١٠/ ٨٨).
(٣) تنبيه: هذا الأثر لم نجده في كتب الحنفية، وليس هو دليلهم، بل هو دليل عليهم؛ =

<<  <  ج: ص:  >  >>