للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قوله: (وَاخْتُلِفَ فِي الإِنْبَاتِ؛ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ (١): هُوَ بُلُوغٌ


= ولذا أسنده الشافعي في "الأم" (٧/ ١٩١)، واحتج به على قطع الجماعة بالواحد، وكذا تتابع عليه الشافعية، واستدل به أحمد كما في "مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه" (٧/ ٣٤٣٩ - ٣٤٤٠)، وتبعه الحنابلة، وممن احتج به القرافي في "الذخيرة" وغير واحد، ووجه الدلالة فيه لمذهب الجمهور ظاهرة، ولعله سبق لسان من الشيخ الوائلي رحمه الله، فمثله لا يخفى عليه ذلك، أو يكون قصد الشارح من هذا الأثر: أن عليًّا لم يقطع إلا يدًا واحدة، وقوله: "لقطعتكما" جاء على سبيل التهديد منه، وليس إثباتًا منه لقطع اليدين باليد. قال السرخسي بعد أن ذكر أثر علي: "وبه يستدل الشافعي في وجوب القصاص على الشهود وقطع اليدين بيد واحدة. ولكنا نقول: إنما ذكر هذا اللفظ على سبيل التهديد، ولم يكن كذبًا منه؛ لأنه علقه بشرط لا سبيل إلى معرفته، وقد صح عن علي -رضي الله عنه- أن اليدين لا يقطعان بيد واحدة، ذكره محمد في كتاب الرجوع ". انظر: "المبسوط" (٩/ ١٦٩)؛ فالشارح قصد أن أثر علي -رضي الله عنه- فيه دليل للأحناف، وعند النظر وجدنا أنهم ذهبوا من أثر علي إلى ما يريدون من أنه لم يقطع إلا يدًا بيد، بالرغم أنهم لم يستدلوا به ابتداءً، وإنما استدل به غيرهم -كالشافعية- على مشروعية قطع اليدين باليد، لكن الأحناف ردوا الأثر وصرفوه لمعنى التهديد كما قال السرخسي، وصرف الكاساني فعل علي إلى أنه من باب السياسة وليس يؤخذ منه دليل عام، فقال: "وأما قول سيدنا علي -رضي الله عنه- فلا حجة له فيه؛ لأنه إنما قال ذلك على سبيل السياسة، بدليل أنه أضاف القطع إلى نفسه، وذا لا يكون إلا بطريق السياسة، والله سبحانه وتعالى أعلم ". انظر: "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (٧/ ٢٩٩).
وخلاصة التعليق على كلام الشارح رحمه الله بأن أثر علي من دليل الأحناف؛ نقول: هو ليس دليلهم ابتداء، وإنما هو دليل غيرهم، لكنهم صرفوا دلالته إلى ما ذهبوا إليه، فقالوا: إن قول علي خرج على سبيل التهديد، وإنما الذي فعله أنه قطع يدًا بيد، ولم يقطع أكثر مع أنهم نبهوه أن السارق غير الذي أقيم عليه الحد.
(١) الأصح عند الشافعية: أنه ليس ببلوغ في حق المسلمين، وسينبه على ذلك الشيخ الوائلي رحمه الله. يُنظر: "روضة الطالبين وعمدة المفتين" للنووي (٤/ ١٧٨)، حيث قال: "السبب الثالث: إنبات العانة يقتضي الحكم بالبلوغ في الكفار، وهل هو حقيقة البلوغ، أم دليله؟ قولان؛ أظهرهما: الثاني، فإن قلنا بالأول: فهو بلوغ في المسلمين أيضًا، وإن قلنا بالثاني: فالأصح أنه ليس ببلوغ.
قلت: اختلف أصحابنا فيما يفتى به في حق المسلمين، واختار الإمام الرافعي في "المحررده أنه لا يكون بلوغًا، والله أعلم ".

<<  <  ج: ص:  >  >>