للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عرفنا بأنَّ الدِّيَةَ قد تكون انتقالًا من قَوَدٍ إلى دِيَةٍ، التي هي التحوُّل إلى البدن، فإنَّ الذي يقتلُ غيرَه عمدًا يلزمُهُ القصاصُ، فإذا ما تنازل أولياءُ القتيلٍ إلى الدِّيَةِ؛ حلَّت حينئذٍ الدِّيَةُ .. أصبحت هذه دِيَةُ العمدِ، وبأنَّها تكون مُربَّعةً وحالَّةً -أي: تُدفع في الحال- وتكون على الجاني؛ لأنه هو الذي جنى على نفسه فيتحمل.

فالعمد لا تتحمله العاقلة؛ لأنَّ هذا إنسانٌ قد جنى على غيره جنايةً متعمَّدةً، فهو يتحمَّلُ وزرَها ونتائِجَها وعواقبَها، ولذلك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا جَنَى أَحَد فَعَلَيْهِ جِنَايَتُهُ" (١). وهذا جنى، فهو يتحمَّلُ ما جنتْ يدُهُ.

* قوله: (وَأَمَّا دِيَةُ الْعَمْدِ فَجُمْهُورُهُمْ (٢) عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -وَلَا مُخَالِفَ لَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ- أَنَّهُ قَالَ: "لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا، وَلَا اعْتِرَافًا، وَلَا صُلْحًا فِي عَمْدٍ" … ) (٣).


= قال: أشهد به. قال: فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضاحكًا من ثبت شبهي في أبي، ومن حلف أبي علي، ثم قال: "أما إنَّهُ لَا يجْنِي عليكَ، وَلا تجْني عَلَيْهِ". وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (٢٣٠٣).
(١) لم أقف عليه.
(٢) مذهب الحنفية، يُنظر: "مختصر القدوري" (١٣/ ٢١٣)؛ حيث قال: "وكل عمد سقط القصاص فيه بشبهة، فالدية في مال القاتل".
ومذهب المالكية، يُنظر: "المقدمات الممهدات" لابن رشد الجد (١٣/ ٢٩٣)؛ حيث قال: "فإن اصطلحوا على الدية مبهمة، فإن الدية تكون في ماله حالة".
ومذهب الشافعية، ينظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (١٢/ ٢١٥)؛ حيث قال: "فإذا صح ما ذكرناه، فدية العمد المحض مغلظة بأربعة أشياء: بالسن، والصفة، والتعجيل، والمحل؛ فتكون في مال الجاني دون عاقلته".
ومذهب الحنابلة، يُنظر: "المغني" لابن قدامة (٨/ ٣٧٣)؛ حيث قال: "أجمع أهل العلم على أن دية العمد تجب في مال القاتل، لا تحملها العاقلة".
(٣) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (٨/ ١٠٤)، وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (٢٣٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>