يعني تتحمَّلهُ العاقلةُ. هذه الدِّيَةُ لا تكون في مالٍ واحدٍ منهما؛ وإنَّما تكون على العاقلة، وعادةً كون الدِّيَة في بعض أنواعِها على العاقلة تكون مواساةً للقاتل؛ لأنَّ الذي تكون دِيتُهُ على العاقلة لا يكون متعمِّدًا، أمَّا المتعمِّدُ فقد عرفنا أن الدِّيَةَ تكون حالَّةً، يعني لا تُؤجَّل، وتكون في ماله، فلا تتحملُ العاقلةُ عمدًا ولا تتحمَّل أيضًا عقدًا، ولا صُلحًا، ولا اعترافًا، إذنْ هذا إنسانٌ أخطأ أو حصل منه شِبه خطأ، فهو بحاجةٍ إلى التسرية (التخفيف)، ومن أولى النَّاس بأن ينهض بذلك ويقوم به هم عصبتُه، هم العصبةُ الذين نعرفهم ودرسناهم في كتاب المواريث.
لأنَّ الصبيَّ يرى أنَّه قد اعتدى، وأنَّه ينبغي أن يُزجَرَ وأن يُردع، وهذا هو نوعٌ من الزَّجر؛ لأنَّ هذا الصبيَّ وإنْ لم يكن كامل العقل؛ لكنَّه أيضًا يُدرِكُ أنَّه أمرٌ لا ينبغي، ولذلك يرى أنها تُوضع في ماله حتى يكون ذلك زجرًا وردعًا له.
يعني من شبَّهَهُ بالعامد؛ أوجب الدِّيَةَ في ماله، ومَنْ شبَّهَهُ بالمُخطئِ؛ أوجبها على العاقلة، إذنْ هو متردِّدٌ بينهم، هو متعمِّدٌ فِعلَهُ، ولكنك إذا نظرت إلى قصوره وتفكيره، وأنه مرفوعٌ عنه القلم، فأنت في هذه الناحية تُلحقه بالمخطئ، وإذا نظرت إلى أنَّه تعمَّد يعني أقدَمَ على الفعل وقصد القتلَ؛ فإنَّه من هذه الناحية يُشبِهُ المتعمِّدَ، فصار متردِّدًا بين الأمرين، فبأيِّهما يُلحق؟
لا شك بأنَّ مذهب الجمهور أولى؛ لأنَّ هذا غيرُ كامل الإدراك وغيرُ
(١) يُنظر: "منهاج الطالبين" للنووي (ص ١٢٢)؛ حيث قال: "عمد الصبي عمد، وهو الأظهر".