للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن قيل بالرجوع، فهل له حق ثابت في المال باعتبار أن للصغار والمجانين والفقراء والمساكين حقًّا أيضًا في هذا المال، فما وجه تخصيص من لا عصبة له ولا موالي؟

وإننا في هذا ننظر إلى منهج رسول الله وسنته والخلفاء من بعده؛ ففي زمن النبي قتل أنصاري بخيبر ولم يعرف قاتله، فوداه (١) -صلى الله عليه وسلم- من بيت مال المسلمين (٢). ثم يأتي في زمن عمر حادث مثيل حيث وقع رجل في زحام فهلك، ولم يعرف قاتله فوداه عمر من بيت المال مستشيرًا علي بن أبي طالب (٣).

ففِعْلُهُ -صلى الله عليه وسلم- وَفِعْلُ عمر يقوّي الرأي القائل بأنه يودى من بيت المال، وهو رأي أكثر العلماء. وبعض العلماء يرى بأنه لا يؤخذ من بيت المال؛


= الواجب؛ فيجب الباقي في بيت المال إن كان الجاني مسلمًا؛ فإن كان مستأمنًا أو ذميًّا فلا، برل الدية فى ماله على المذهب".
ويُنظر: "الإنصاف" للمرداوي (١٠/ ١٢٣)؛ حيث قال: " (ومن لا عاقلة له، أو لم تكن له عاقلة تحمل الجميع … إن كان مسلمًا أخذ من بيت المال). هذا المذهب".
(١) وديت القتيل: أَدِيه (دية) أعطَيتُ ديتَه. (واتديْتً) أخذتُ ديتَهُ. انظر: "مختار الصحاح" للرازي (ص: ٣٣٥).
(٢) أخرجه البخاري (٣١٧٣)، ومسلم (١٦٦٩) عن رافع بن خديج، أنهما قالا: خرج عبد الله بن سهل بن زيد، ومحيصة بن مسعود بن زيد، حتى إذا كانا بخيبر تفرقا في بعض ما هنالك، ثم إذا محيصة يجد عبد الله بن سهل قتيلًا فدفنه، ثم أقبل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو وحويصة بن مسعود، وعبد الرحمن بن سهل، وكان أصغر القوم، فذهب عبد الرحمن ليتكلم قبل صاحبيه، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كبر الكبر في السن"، فصمت، فتكلم صاحباه، وتكلم معهما، فذكروا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقتل عبد الله بن سهل، فقال لهم: "أتحلفون خمسين يمينًا فتستحقون صاحبكم أو قاتلكم"، قالوا: وكيف نحلف، ولم نشهد؟ قال: "فتبرئكم يهود بخمسين يمينًا"، قالوا: وكيف نقبل أيمان قوم كفار؟ فلما رأى ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعطى عقله.
(٣) أخرجه ابن المنذر في الأوسط (١٣/ ٤٤٥) عن الأسود: "أن رجلًا أصيب عند البيت، فسأل عمر عليًّا، فقال له عليٌّ: أده من بيت مال المسلمين".

<<  <  ج: ص:  >  >>