للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يرد المؤلف عندما قال: "اضطرب قول مالك" أن مالكًا مضطرب في قوله بالمعنى الذي نعرفه من قولنا: إنسان مضطرب، بمعنى: أنه ما عرف هذا من هذا؛ بل ما قصده المؤلف أنه اضطرب قوله بأن نُقل عنه قولان في المسألة فبلغه هذا وبلغه ذاك.

وليس معنى الاضطراب: أن الإمام مالكًا ما استطاع أن يدرك ذلك الأمر، بل قال مرة بقول سليمان بن يسار، وقال مرة: لا يزاد فيها على عقلها شيء، وبه قال الجمهور.

والأولى هو الذي أخذ به الأئمة الثلاثة عدا مالك؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في ذلك الكتاب الذي تلقته الأمة بالقبول وعملوا به جيلًا بعد جيل، وقد اشتمل بلا شكٍّ على كثير من أهمِّ الأحكام ومنها ما يتعلق بالديات والقصاص وفي بعضها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وفي الموضحة خمس من الإبل" (١)، وقد أدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الموضحات تتنوع فمنها ما يبقى لها أثر، ومنها ما لا يبقى لها أثر، ولنتذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -


= موضحة الوجه، أهي مثل موضحة الرأس؟ قال: نعم إلا أن تشين الوجه فيزاد فيها لشينها. قال: فقيل لمالك: فحديث سليمان بن يسار حين قال: يزاد في موضحة الوجه بينها وبين نصف عقل الموضحة؟ قال مالك: لا أرى ذلك، ولكن يزاد فيها على قدر الاجتهاد إذا شانت الوجه، فإن لم تشن الوجه فلا يزاد فيها شيء".
ومذهب الشافعية، يُنظر: "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (٧/ ٣٤٦ - ٣٤٧)، قال: "والجرح المقدر أرشه كموضحة يتبعه الشين … وما لا يتقدر أرشه يفرد الشين حوله بحكومة في الأصح؛ لضعف الحكومة عن الاستتباع بخلاف الدية، والثاني: المذكور في "الوجيز" أنه يتبع الجرح، وقضيته إفراد الشين بحكومة غير حكومة الجرح، بل من ضرورياته؛ إذ لا يتأتى بغير ما يذكره أنه يقدر سليما بالكلية ثم جريحًا بلا شين، ويجب ما بينهما من التفاوت وهذه حكومة الجرح ثم يقدر جريحًا بلا شين ثم جريحًا بشين ويجب ما بينهما من التفاوت، وهذه حكومة الشين".
ومذهب الحنابلة، يُنظر: "الكافي" لابن قدامة (٤/ ٢٢) قال: "وسواء في ذلك الكبيرة والصغيرة، وموضحة الرأس والوجه، وعنه: في موضحة الوجه عشر من الإبل؛ لأن شينها أكثر، ولا تسترها العمامة، والأول: المذهب للخبر، ولأننا سوينا الصغرى والكبرى مع اختلاف شينهما، كذا هاهنا".
(١) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>