للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وركبها على أحسن حال وأجمل صورة، فينبغي أن تُشكَر هذه النعم التي وهبنا الله سبحانه وتعالى إيَّاها إلى جانب أنه خلقنا من العدم، وأوجدنا ورعانا في بطون أمهاتنا، وسخَّر لنا أبوين يشفقان علينا إلى غير ذلك من الرعاية المستمرة حتى يشب الإنسان عن الطوق، ويحصف عقله ويصبح رجلًا سويًّا.

والإنسان يدرك قيمة هذه الأشياء في حالتين:

الأولى: حين يفقد شيئًا منها.

الثانية: حين يرى إنسانًا قد حُرِم من هذه الصفات التي يتمتع بها.

ففي تلك الحالتين يدرك الإنسان نعمة الله سبحانه وتعالى ومن هنا لا ينبغي أن تُستخدَم هذه الأعضاء التي خلقها الله سبحانه وتعالى وركبها في الإنسان إلا في طاعته سبحانه وتعالى فمثلًا لا يُنظَر إلى الحرام امتثالًا لقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: ٣٠].

وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "لا تتبعوا النظرة النظرة" (١)، وكذلك لا ينبغي للإنسان أن يستخدم يده إلا في طاعة الله، وكذلك لا ينبغي له أن يستخدم لسانه - الذي وهبه الله له - إلا في ذكر الله سبحانه وتعالى (٢)، وأن يكون دائمًا رطبًا بذكره، وألا يشتغل بالقيل والقال وبأذى المؤمنين، وفي التكلم في أعراضهم، وفي تتبع هفواتهم؛ فإن الذين يشغلون أنفسهم بأذى المؤمنين قد توعَّدهم الله سبحانه وتعالى بالعذاب الأليم، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (٥٨)} [الأحزاب: ٥٨].


(١) أخرجه أبو داود (٢١٤٩) وغيره عن بريدة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعليِّ: "يا عليّ لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة". وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (١٨٦٥).
(٢) وهذا معنى حديث أخرجه الترمذي (٣٣٧٥) وغيره عن عبد الله بن بسر، أن رجلًا قال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: "لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله". وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (٧٧٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>