للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قتله بأرض كذا وهم عندك، أقدت بشهادتهم؟ قال: فكتب عمر بن العزيز في القسامة أنهم إِنْ أقاموا شاهدي عدل أن فلانًا قتله فأقده، ولا يقتل بشهادة الخمسين الذين أقسموا).

إذًا عمر بهذا عدل عن القسامة لقول أبي قلابة، وأنه رد ذلك إلى الحكم الشرعي المعروف فإذا وُجد اثنان شاهدان عدلان كاملان، يعني اجتمعت فيهما شروط الشهادة، فإنه ينفذ القتل.

لكن هناك أيضًا مثل آخر لم يذكره المؤلف، فإنه كما جاء في مصنف عبد الرزاق عن الإمام الزُّهري التابعي وهو من أخصّ الناس بعمر بن عبد العزيز، وهو أيضًا الذي طلب منه عمر بن عبد العزيز أن يبدأ بكتابة الحديث النبوي (١)، قال: دعاني عمر بن عبد العزيز، فسألني، فقال: إني أريد أن أترك القسامة؛ يأتيني رجل من أرض كذا، وآخر من أرض كذا، فيحلفان، فقال له الإمام الزُّهري: ليس لك ذلك، قضى بها رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء من بعده، وإنك إن تركت ذلك أوشك أن يقتل رجل عند بابك فيطل دمه، أي: فيذهب دمه، وإن في القسامة للناس حياة (٢)، ولعله يشير إلى قول اللّه تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: ١٧٩].

فجاء كلام الزُّهري مخالفًا لكلام أبي قلابة، موافقًا لما ذهب إليه الجمهور، نعم هنا شبهة، والعلماء عندما قالوا بالقسامة ربطوا ذلك


(١) أخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (١/ ٣٣١) عن ابن شهاب يحدث سعد بن إبراهيم قال: "أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن فكتبناها دفترًا دفترًا، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترًا".
(٢) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (١٠/ ٣٨) عن الزُّهري، قال: "دعاني عمر بن عبد العزيز فقال: إني أرلد أن أدع القسامة، يأتي رجل من أرض كذا وكذا، وآخر من أرض كذا وكذا، فيحلفون قال: فقلت له: ليس ذلك لك، قضى بها رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء بعده، وإنك إن تتركها، أوشك رجل أن يقتل عند بابك، فيطل دمه، فإن للناس في القسامة حياة".

<<  <  ج: ص:  >  >>