للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

*قوله: (وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ حَزْمٍ).

ابن حزم صاحب "المحلى" المعروف، له آراء أحيانًا ينفرد بها، فهو يجتهد ولا شك أنه من العلماء الأعلام، ومن الذين خدموا هذه الشرعة، فقهًا وحديثًا، بل كتابه المحلى كنز فقهي عظيم، وفيه ثروة عظيمة من الأحاديث، لكن أخذ عليه أنه كان حاد الطبع، يقسو أحيانًا ويتجاوز بألفاظه إلى أن يقدح في بعض الأئمة الأعلام.

* قوله: (قَالَ: الْقَسَامَةُ تَجِبُ مَتَى وُجِدَ قَتِيلٌ لَا يُعْرَفُ مَنْ قَتَلَهُ أَيْنَمَا وُجِدَ، فَادَّعَى وُلاةُ الدَّمِ عَلَى رَجُلٍ، وَحَلَفَ مِنْهُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا خَمْسِينَ يَمِينًا، فَإِنْ هُمْ حَلَفُوا عَلَى الْعَمْدِ فَالقَوَدُ، وَإِنْ حَلَفُوا عَلَى الْخَطَأِ فَالدِّيَةُ) (١).

أولًا، لنعلم بأن هذه القسامة إنما وضعت؛ لحفظ الدماء، وللحيطة فيها؛ حتى لا تكون أنفس الناس رخيصة كما رأينا في كلام الزهري عندما سأله عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -، وقال إنه يريد أن يترك القسامة ثم يعلل فيقول: يأتي رجل من بلد كذا، وآخر من بلد كذا، فيحلفان، فقال له الإمام الزهري: ليس لك ذلك؛ لأن ذاك قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقضاء الخلفاء (٢)، ثم بيَّن له أنك لو تركت ذلك لا يبعد أن يأتي إنسان فيقتل قتيلًا بجوار بابك، فيطل دمه، أي: فيذهب هدرًا، وإن للناس في القسامة حياة، وقلنا: يشير إلى قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: ١٧٩].

انظر إلى دقة الفقهاء رحمهم الله؛ فهذه القسامة إنما وضعت حفاظًا على أرواح الناس، وصيانة لدمائهم، لكن لا ينبغي أيضًا أن تؤخذ


(١) يُنظر: "المحلى" لابن حزم (١١/ ٣٠١) حيث قال: "وقال أصحابنا: إن وجد قتيل في دار قوم أعداء له، وادعى أولياؤه على واحد منهم: حلف خمسون منهم، واستحقوا القود أو الدية -ولا قسامة، إلا في مسلم حر".
(٢) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>