للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: ٢]، أي: لا ينبغي أن تكون هناك رحمة تحول بين إقامة الحد (١)، ولذلك فإن من أخطر الأمور الشفاعة في حد من حدود الله، ولم يقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- شفاعة أسامة بن زيد -وهو حِبُّه وابن حِبِّه- في المرأة المخزومية التي كانت تستعير الحلي فتسرقها، بل أنكر عليه وقال: "أتشفع في حدٍّ من حدود الله وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" (٢)، فلا مجاملة في دين الله، والناس في الحقوق سواسية كأسنان المشط لا يفضل بعضهم بعضًا إلا بالتقوى، كما قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣]، فلا يسقط الحد عن الشريف ويقام على الضعيف، ولما تولى أبو بكر -رضي الله عنه- الخلافة قام فخطب الناس، فقال: "أيها الناس إن القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، وإن الضعيف قوي عندي حتى آخذ الحق له" (٣)، مع ما كان معروفًا به من اللين واللطف، ولكن هذا شأن الصحابة لا تأخذهم في الله لومة لائم، فإذا وقع الحد وثَبَت، فلا فرق بين كبير وصغير، ولا بين شريف ووضيع، فالناس كلهم سواسية.

- قوله: (وَاخْتَلَفُوا فِي التَّغْرِيبِ مَعَ الجَلْدِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: لَا تَغْرِيبَ أَصْلًا (٤)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بُدَّ مِنَ التَّغْرِيبِ مَعَ الجَلْدِ لِكُلِّ زَانٍ؛ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا (٥)، وَقَالَ مَالِكٌ:


(١) يُنظر: "تفسير مقاتل بن سليمان" (٢/ ١٨٢)، حيث قال: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ}؛ يعني: رِقَّة في أمر الله عزَّ وجلَّ من تعطيل الحدود عليهما".
(٢) أخرجه البخاري (٣٤٧٥)، ومسلم (١٦٨٨).
(٣) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (١١/ ٣٣٦)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٦/ ٥٧٤).
(٤) يُنظر: "رد المحتار" لابن عابدين (١٥/ ٣٠)، حيث قال: "ولا جمع بين جلد ورجم في المحصن، ولا بين جلد ونفي -أي: تغريب- في البكر".
(٥) يُنظر: "أسنى المطالب"، لزكريا الأنصاري (٤/ ١٢٨، ١٢٩)، حيث قال: "وحد البكر الحر، وهو غير المحصن رجلًا كان أو امرأة جلد مائة، وتغريب عام … وحد من فيه رِق خمسين ويغرب نصف عام".

<<  <  ج: ص:  >  >>