للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالوضوءُ فِعلٌ، وإزالةُ النَّجاسة تَرْكٌ، فنحن مأمورون بالوضوء كَمَا في قول الله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}، أمَّا إزالة النجاسة فمن المتفَق عليه بين الأحناف والجمهور أن النَّوَاهي لا تُشترَط فيها النيَّة، ولذلك ضَعَّفُوا الاستدلالَ بهذا القياس.

رَدُّ الجمهور على القيَاس الثاني (١): أن إباحَةَ وطء المسلم لامرأتِهِ الذميَّة بعد مطالبتها بالنيَّة وبالاغتسال إنَّما هو من قَبِيلِ الضرورة؛ لأنَّ " الضرورات تبيح المحظورات " (٢)، فلو لم نُبِحْ له ذلك، لَتَعَذَّرَ عليه وَطؤُها، والله سبحانه وتعالى أبَاح للمسلم أن يطأَ الذميَّة، فهَذِهِ حَالَة ضَرُورةٍ بدليل أن هذه الذميَّة لو أسلَمَت بعد ذلك، فإنها لا يجوز لها أن تصلي بهذه الطهارة.

قوله: (وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ تَرَدُّدُ الوُضُوءِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عِبَادَةً مَحْضَةً، أَعْنِي: غَيْرَ مَعْقُولَةِ المَعْنَى).

وَالعبَادَة المَحْضة هي العبادة التَّوقيفيَّة غير المعلَّلة، فهي تَوْقيفيَّةٌ غير


= والثاني: أنَّا نقلبه عليهم، فنَقُول: فَوَجب أن يستوي الطهارة بالمائع والجامد في اعتبار النية قياسًا على إزالة الأنجاس.
وَالثَّالث: أنَّ إزالَةَ الأنجاس طريقها التَّرْك، والتُّرُوكُ لا تَفْتقر إلى نِيَّةٍ ".
(١) يُنظر: " الحاوي " للماوردي (١/ ٩٠)، حيث قال: " وأما الجَوابُ عن استدلالهم بطهارة الذميَّة، فَهو أنَّ طهارَتها غير مجزئة … وإنما أَجَزْنَا غسلها في حق الزوج … وفي منعِهِ من وَطْئها إلا بعد إسلامها تفويت لحقِّه، ومنع من تزويج أهل الذمَّة، فَصَارتْ كالمجنونة الَّتي يستبيح زوجها وَطْأها إذا اغتسلت … كَذَلك الذمية يجوز وَطْؤها إذا اغتسلت من حَيْضها بغير نِيَّةٍ ".
ويُنظر: " المجموع " للنووي (١/ ٣١٥)، حيث قال: " وأمَّا الجواب عن طهارة الذميَّة، فَهو أنها لا تصحُّ طهارتها في حقِّ الله تعالى، وليسَ لها أن تصلي بتلك الطَّهارة إذا أسلمت .. هذا نصُّ الشافعيِّ رَحِمَهُ اللهُ، وهو المذهب الصحيح ".
(٢) يُنظر: " الأشباه والنظائر " لابن نجيم (ص ٧٣) حيث قال: " الضرورات تبيح المحظورات، ومن ثَمَّ جاز أَكْلُ الميتة عند المخمصة، وإساغة اللُّقمة بالخمر، والتلفُّظ بكلمة الكفر للإكراه، وكذا إتلاف المال، وأَخْذ مال الممتنع الأداء من الدَّيْن بغير إذنه، ودفع الصائل، ولو أدَّى إلى قتله ". وانظر: " الأشباه والنظائر " للسبكي (١/ ٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>