للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهب الحنفية إلى أنه لا بد أن تكون في مجالس متفرقة (١)، والقصد من ذلك هو التوثق (٢)؛ لأنها جريمة خطيرة وشرتب عليها حد وضرر، ولذلك من قذف مؤمنًا ولم يأت بأربعة شهداء فإنه يقام عليه حد القذف صيانة لأعراض المسلمين. إذن لا بد من وجود دلائل قطعية على ثبوت الزنا سواء كان بإقرار فيعترف على نفسه أو بالشهادة كما سيأتي.

واحتج أصحاب القول الأول بقصة العسيف -وقد مرت- وفيها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "واغْدُ يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها"، ولم يذكر عدد الإقرارات، بل قال: "إن اعترفت" والاعتراف يدخل فيه ما كان من مرة واحدة أو أكثر، فأقل ما ينطبق عليه: مرة (٣).

واستدل أصحاب القول الثاني بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ردَّ ماعزًا حتى أقرَّ أربع مرات ثم أمر برجمه (٤)، وفي رواية في غير الصحيحين -ولم يوردها المؤلف-: "لقد أقررت على نفسك أربعًا" (٥)، وفي أُخرى أن أبا بكر قال له: إن أقررت أربعًا رجمك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٦).


(١) يُنظر: "مختصر القدوري" (ص: ١٩٥)، وفيه قال: "والإقرار: أن يقر البالغ العاقل على نفسه بالزنا أربع مرات في أربعة مجالس من مجالس المقر كلما أقرّ رده القاضي، فإذا تم إقراره أربع مرات سأله الإمام عن الزنا: ما هو؟ وكيف هو؟ وأين زنى؟ وبمن زنى؟ فإذا بين ذلك لزمه الحد".
(٢) يُنظر: "الاختيار لتعليل المختار" لابن مودود الموصلي (٤/ ٨٣) وفيه: "واشتراط اختلاف المجالس لما روينا، ولأن اتحاد المجلس يؤثر في جميع المتفرقات فتثبت شبهة الاتحاد في الإقرار، والمعتبر اختلاف مجلس المقر لأن الإقرار قائم به دون القاضي ".
(٣) سبق ذلك.
(٤) سبق ذكرها.
(٥) قريب منه ما أخرجه أحمد في مسنده (٢١٨٩٠)، وفيه: " … فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنك قد قلتها أربع مرات، فبمن؟ قال: بفلانة … " وصححه الأرناؤوط.
(٦) أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (١٤/ ٥٢٣) عن ابن أبزى، عن أبي بكر، قال: أتى ماعز بن مالك النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأقرَّ عنده ثلاث مرات، فقلت: إن أقررتَ عنده الرابعة، فأَمر به فحُبس، يعني يرجم. وفيه جابر بن يزيد الجعفي، وهو ضعيف. انظر: "إرواء الغليل" (٢٣٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>