للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجه الدلالة من هذه الرواية: أن رسول -صلى الله عليه وسلم- سمع أبا بكر فلو كان قوله غير صحيح لما سكت عنه، وسكوته -صلى الله عليه وسلم- إقرار له، فالسُّنة تكون بالقول أو بالفعل أو بالإقرار (١).

وأما حديث العسيف فغاية ما فيه أن الاعتراف أحد الأمور التي يثبت بها حد الرجم، وهو دليل مطلق أم حديث ماعز فهو دليل مقيد. ولو أنعمنا النظر في أحكام الزنا نجد أنها بُنيت على الاحتياط والتحري لأنه أمر يتعلق بحق مسلم، فلا شك في أن إقراره أربع مرات أولى وأحوط (٢).

* قوله: (وَأَمَّا المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، وَهِيَ مَنِ اعْتَرَفَ بِالزِّنَا، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ جُمْهُورُ العُلَمَاءِ: يُقْبَلُ رُجُوعُهُ (٣)، إِلَّا ابْنَ أَبِي


(١) انظر: "العدة شرح العمدة"، لبهاء الدين المقدسي (ص: ٥٩٧)، وفيه قال: " … فقال رسول الله: إنك قد قلتها أربع مرات، فبمن؟ قال: بفلانة"، وهذا تعليل منه يدل على أن إقرار الأربع هي الموجبة، وقد روي "أن أبا بكر الصديق قال له عند النبي: إن أقررت أربعًا رجمك رسول الله، فأقره رسول الله على ذلك ولم ينكره "، فكان بمنزلة قوله؛ لأنه لا يقر على الخطأ، ولأن أبا بكر قد علم هذا من حكم النبي، ولولا ذلك لما تجاسر على قوله بين يديه ".
(٢) قال ابن قدامة: "ولنا، ما روى أبو هريرة، قال: "أتى رجل من الأسلميين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في المسجد، فقال: يا رسول الله، إني زنيت. فأعرض عنه، فتنحى تلقاء وجهه، فقال: يا رسول الله، إني زنيت. فأعرض عنه … أربع مرات ". ولو وجب الحد بمرة، لم يعرض عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه لا يجوز ترك حد وجب لله تعالى. وأما أحاديثهم -يقصد حديث أنيس وغيره- فإن الاعتراف لفظ المصدر يقع على القليل والكثير، وحديثنا يفسره، ويبين أن الاعتراف الذي يثبت به كان أربعًا ". انظر: "المغني" (٩/ ٦٤).
(٣) انظر في مذهب الأحناف: "تحفة الفقهاء"، لأبي بكر السمرقندي (٣/ ١٤، ١٤٢)، وفيه قال: "ولو أنه إذا أقرّ أربع مرات عند القاضي ثم رجع بعد الحكم بالرجم أو قبله أو رجع بعدما رجم قبل الموت إن كان محصنًا أو بعدما ضرب بعض الجلد إذا لم يكن محصنًا أو هرب، فإنه يدرأ الحد عنه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لقن ماعزًاا لرجوع حين أقرّ بين يديه بالزنا: لعلك مسستها لعلك قبلتها فلو لم يصح الرجوع لم يكن لهذا التلقين فائدة".
وانظر في مذهب الشافعية: "مغني المحتاج"، للشربيني (٥/ ٤٥٢)، وفيه قال: " (ولو=

<<  <  ج: ص:  >  >>