للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَغَيْرَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ لَعَلَّهُ يَرْجِعُ (١)، وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ أَوْجَبَ سُقُوطَ الحَدِّ بِالرُّجُوعِ أَنْ يَكُونَ التَّمَادِي عَلَى الإِقْرَارِ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ الحَدِّ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ: "أَنَّ مَاعِزًا لَمَّا رُجِمَ وَمَسَّتْهُ الحِجَارَةُ هَرَبَ، فَاتَّبَعُوهُ فَقَالَ لَهُمْ: رُدُّونِي إِلَى رَسُولِ الله عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ! " فَقَتَلُوهُ رَجْمًا").

انتقل المؤلف إلى مسألة أُخرى من مسائل الإقرار: وهي رجوع من اعترف على نفسه بالزنا، فذهب الجمهور (أبو حنيفة والشافعي وأحمد) إلى أن رجوعه يُقبل مطلقًا؛ لأنه أقر على نفسه ورجع وهذا أمر بينه وبين الله والتوبة تجبُّ ما قبلها.

وذهب مالك إلى التفصيل؛ فإن رجع وكان له شبهة في رجوعه قُبل، وأما إن رجع إلى غير شبهة كمن أتعبته الحجارة التي أصابته فرجع لشدة الألم، فعنه في ذلك روايتان؛ إحداهما: يقبل وهو قول الجمهور. والثانية: لا يقبل. والأول أشهر (٢).

وفرَّع بعضهم على هذا مسألة وهي: لو طلب أن يرد فرجم حتى مات هل يترتب على الذين رجموه شيء؟ قالوا: لا؛ لأنه مستحق لذلك أصلًا باعترافه (٣).


(١) سبق ذكر هذه الأدلة.
(٢) سبق تفصيل هذه المسائل.
(٣) ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن من قتله بعد رجوعه في إقراره أنه يضمن بذلك القتل فيكون عليه الدية، لكن لا يقتص منه.
انظر في مذهب الشافعية: "مغني المحتاج"، للشربيني (٥/ ٤٥٢)، وفيه قال: " (ولو أقر) بالزنا (ثم رجع) عنه (سقط) الحد عنه؛ لأنهم لما رجموه قال: ردوني إلى رسول الله --صلى الله عليه وسلم-- فلم يسمعوا، وذكروا ذلك للنبي --صلى الله عليه وسلم-- فقال: "هلا تركتموه لعله يتوب فينوب الله عليه؟ "، لكن لو قتل بعد الرجوع لم يقتص من قاتله لاختلاف العلماء في سقوط الحد بالرجوع ويضمن بالدية كما قاله ابن المقري؛ لأن الضمان بها يجامع الشبهة".=

<<  <  ج: ص:  >  >>