للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُلَفَّقُ الشَّهَادَةُ المُخْتَلِفَةُ بِالمَكَانِ؟ أَمْ لَا تُلَفَّقُ كالشَّهَادَةِ المُخْتَلِفَةِ بِالزَّمَانِ؟ فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تُلَفَّقُ، وَالمَكَانُ أَشْبَهُ بِالزَّمَانِ. وَالظَّاهِرُ مِنَ الشَّرْعِ قَصْدُهُ إِلَى التَّوَثُّقِ فِي ثُبوتِ هَذَا الحَدِّ أَكثَرَ مِنْهُ فِي سَائِرِ الحُدُودِ).

الاختلاف في الزمان كأن يقول أحدهم: هذا فعل في شهر محرم، ويقول الثاني: فعل في شهر صفر، ويقول الثالث: بل في ربيع.

والاختلاف في المكان: كأن يقول أحدهم: في مدينة كذا، ويقول الثاني: بل في مدينة كذا.

فشرط الجمهور في هذه الشهادة ألا تختلف لا في زمان ولا في مكان، إلا ما حكي عن أبي حنيفة رحمه الله في مسألة الزوايا المشهورة وهو أن يشهد كل واحد من الأربعة أنه رآها في ركن من البيت يطأها غير الركن الذي رآها فيه الآخر (١). وبهذا نتبين عِظَم حرمة المسلم عند الله تعالى، وأن أمره ليس بالأمر السهل اليسير الذي يتعدى عليه كل إنسان، فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- نهى عن إيذاء المؤمنين والتعدي عليهم، وأن من تتبع عثرات الناس تتبع الله سبحانه وتعالى عثراته حتى يفضحه في بيته (٢)، فعلى المسلم أن


= حد الرجل والمرأة) ومعناه: أن يشهد كل اثنين على الزنا في زاوية وكان البيت صغيرًا، وإن كان كبيرًا لا يُقبل" ذكره في "المحيط "، والقياس أن لا يقبل كيفما كان لاختلاف المكان حقيقة. وجه الاستحسان: أن التوفيق ممكن بأن يكون ابتداء الفعل في زاوية وانتهاؤه في زاوية أُخرى ينتقلان إليه بالاضطراب أو يحتمل أن يكونا في وسط البيت فيحسبه من في المقدم في المقدم ومن في المؤخر في المؤخر فيشهد كل واحد منهم بحسب ما عنده وكذلك لو اختلفوا في ساعتين من يوم متقاربين بحيث يمكن أن يمتد الزنا إليها يقبل لإمكان التوفيق … ".
(١) سبق ذكر ذلك.
(٢) معنى حديث أخرجه الترمذي (٢٠٣٢) عن ابن عمر، قال: صعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المنبر فنادى بصوت رفيع، فقال: "يا معشر من أسلم بلسانه ولم يُفْضِ الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبّع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله" وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (٧٩٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>