للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى أَنَّهُ إِذَا قَذَفَ شَخْصًا وَاحِدًا مِرَارًا كَثِيرَةً، فَعَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ مِنْهَا).

يعني: لو أنه رمى إنسان بالزنا مرارًا أو نفاه عن نسبه مرارًا، فهل يُكرَّر الحد عليه بتكرار العدد؟ أو أن هذه تتداخل؟ أو أن هناك فرقًا بين أن يقام عليه الحد ثم بعد ذلك يرميه مرة أُخرى فيقام عليه حد آخر؟ هذه كلها ترجع إلى القاعدة الفقهية المعروفة: إذا اجتمع أمران من جنس واحد ولم يختلف مقصودهما دخل أحدهما في الآخر غالبًا.

• قوله: (وَأَنَّهُ إِنْ قَذَفَ فَحُدَّ، ثُمَّ قَذَفَهُ ثَانِيَةً: حُدَّ حَدًّا ثَانِيًا).

وهذا هو رأي جماهير العلماء، فلو قذف شخصًا مرارًا قبل أن يقام عليه الحد فعليه حد واحد، لكن لو قذف فحُدَّ ثم قذف مرة أُخرى فإنه أيضًا يتكرر الحد، ووجهتهم في ذلك عموم الآية: {لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: ٤]، فلم يفرق بين من يرمي مرارًا أو مرةً واحدةً؛ لأنه يُسمَّى قاذفًا.

• قوله: (وَاخْتَلَفُوا إِذَا قَذَفَ جَمَاعَةً، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ، جَمَعَهُمْ فِي الْقَذْفِ أَوْ فَرَّقَهُمْ).

وقد خلط المؤلف في هذه المسألة، وهذه حقيقة فيها تفصيل، فالذي قاله هو مذهب مالك، يعني إذا رمى جماعة بالزنا فقال لهم: "أنتم زناة"


= واحد؛ لأن مبنى الحدود على التداخل".
ومذهب المالكية، يُنظر: "التلقين" للقاضي عبد الوهاب (ص ٥٠٣) حيث قال: "وما كان منها من جنس وأحد وسببه واحد تداخل وأجزأ واحد عن جميعه ذلك مثل أن يزني مرارًا أو يشرب مرارًا أو يقذف مرارًا واحدًا أو جماعة فيجزئ من كل سبب حد واحد عن جميع ما فعل منها.
ومذهب الشافعية، يُنظر: "المهذب" للشيرازي (٣/ ٣٥١) حيث قال: "إن قذفه بزنا ثم قذفه بزنا آخر قبل أن يقام عليه الحد ففيه قولان … الثاني: يلزمه حد واحد وهو الصحيح".
ومذهب الحنابلة، يُنظر: "شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (٣/ ٣٤) حيث قال: "وإن اجتمعت حدود لله تعالى من جنس واحد بأن زنى مرارًا أو سرق مرارًا أو شرب الخمر مرارًا تداخلت فلا يُحدّ سوى مرة".

<<  <  ج: ص:  >  >>