والحدود كلها تتشابه في طريقة إقامتها، إذن فالأصل أن الحدود تقام تحت رعاية وسلطة الإمام، وهو الذي يأمر بذلك حتى لا يحصل افتئات عن الإمام وحتى لا يحصل تعجُّل، فالإمام هو الذي يأمر بهذه الحدود، فالقصاص فيه إزهاق للنفوس وحد السرقة فيه قطع، وحد الزنا إنما فيه أيضًا رجم إن كان ثيبًا، إذن هو إذهاب وإزهاق للروح بحق وإن كان بكرًا فيه الجلد، وربما يترتب على ذلك أنه مع الجلد أيضًا قد يموت المجلود فماذا يترتب على ذلك؟ إذن هذه أمور تدخل تحت سلطة الإمام وولايته، والإمام دائمًا ينوب عنه القاضي.
لأن الله ذكر ذلك وليست الأمور بالشيء اليسير، يأتي إنسان للآخر فيقول له: يا زاني أو أنت زاني أو ينفيه عن نسبه، فهذا أمر خطير؛ لأن هذا فيه ما فيه من الأذى ومن الإيلام ومن التعدي على المؤمنين ومن تجاوُز حقوقهم وما يلحقهم أيضًا من العار، وربما يردد الناس ذلك في مجالس أو على ألسنتهم، إذن هو أذى لغيره، والله تعالى إلى جانب الحد قال:{فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا}[النور: ٤]، هذا ما لم يتوبوا، لا تقبلوا لهم شهادة أبدًا، ثم وصفهم ووصمهم بالفسق:{وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور: ٤]، ثم قال:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا}[النور: ٥]، وهنا مرَّ أمران: لا تقبلوا لهم شهادة أبدًا، وأولئك هم الفاسقون، الأمر الأول: رد الشهادة، والثاني: وصفهم بالفسق، فهل قوله:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} يرجع إلى أقرب مذكور أو أنه يرجع إلى الأمرين؟ هناك من قال: يرجع إلى أقرب مذكور وهو الفسق، إذن فيُرفع عنهم الفسق، لكن يبقون مردودي الشهادة، ومنهم من قال: لا، يرجع إلى الأمرين معًا، وإذا ما
(١) سيأتي في المسألة التالية وهي توبة القاذف وأثرها على قبول شهادته واستثناؤهم منها.