للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تاب الإنسان عن الشرك، فإن الله -سبحانه وتعالى- يغفره له، فالله -سبحانه وتعالى- يقول: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}، والله تعالى بيَّن بأن الإنسان إذا تاب من الشرك فإنه يُرفع عنه ذلك، إذن هذا ليس بأخطر من الشرك.

وَاخْتَلَفُوا إِذَا تَابَ، فَقَالَ مَالِكٌ: فإذا تابوا غُفر لهم، واستدلَّ بقول الله جلَّ وعلا: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨].

فإذا تابوا غُفر لهم، ولكن القذف ليس بأخطر من ذلك. نعم، فيه تعريض للمؤمنين وإلحاق الأذى بهم وسبهم ووصفهم ووصمهم بأمور سيئة، وقد تكلمنا عن ذلك، وقلنا: جاء في الحديث بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تؤذوا المؤمنين ولا تعيِّروهم ومن طلب عورة أخيه المسلم طلب الله تعالى عورته حتى يفضحه في بيته" (١)، فهذا من أخطر الأمور: أن يتساهل المرء في حق أخيه المسلم فيتكلم فيه وُيعرِّض به في المجالس: فَعَل وفَعَل … ، وربما يكون ما يقوله افتراءً، وربما نقل ذلك عنه أُناسٌ ممن قال الله تعالى فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (١٩)} [النور: ١٩] [النور: ١٩]، وقال: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: ١٥].

قال: (وَاخْتَلَفُوا إِذَا تَابَ، فَقَالَ مَالِكٌ (٢): تَجُوزُ شَهَادَتُهُ، وَبِهِ قَالَ


(١) أخرجه أبو داود (٤٨٨) ولفظه: "يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته"، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (٢٣٤٠).
(٢) يُنظر: "البيان والتحصيل" لابن رشد الجد (١٠/ ١٤٩) حيث قال: "لأن الحد إنما يرفع الإثم، ويبقى عليه حكم الفسق، فإن تاب وظهرت توبته قبلت شهادته باتفاق، إلا أن يكون حدًّا في قذف، فقد قيل: إن شهادته لا تجوز … والصحيح أنها جائزة إذا تاب، وهو مذهب مالك وجميع أصحابه".

<<  <  ج: ص:  >  >>