للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشَّافِعِيُّ (١). وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ (٢): لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا).

فالأئمة الثلاثة (٣) قالوا ذلك؛ لأن التوبة تجُبُّ ما قبلها، فإذا تاب: انتهى الأمر وتُقبل شهادته، لكن الذين قالوا: لا تقبل شهادته قالوا: لأن الشهادة تقوم على الاحتياط والتحري في الحقوق، والذي قذف قد يكون صادقًا لكن العدد لم يتم، وربما يكون الأمر حقيقةً لكن لم يسعفه الأمر بأن يأتي بالعدد المطلوب، ولذلك على المسلم أن يحتاط، وانظر كيف تأثر عمر - رضي الله عنه - (٤) لمَّا جاء الأول فقذف المغيرة فتغير وجهه ثم جاء الآخر فتغير وجهه ثم جاء الثالث فتغير وجهه، فلما جاء الرابع: صاح به صيحة حتى قال راوي الأثر: "كاد يغمى عليه من شدة صرخته "؛ لأن هذا أمر يتعلق بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاء الرابع مترددًا بحمد الله، فرفع عمر الحد عمَّن قذف.

• قوله: (وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ هَلِ الاسْتِثْنَاءُ يَعُودُ إِلَى الْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ؟ أَوْ يَعُودُ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ؟ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: { … وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤)} [النور: ٤ - ٥]).

يعني: هل يعود الضمير إلى أقرب مذكور أو إلى المذكورات جميعًا أو المذكورين (٥)؟ والظاهر هنا أن مذهب الجمهور أرجح؛ لأن هناك أمورًا


(١) يُنظر: "المهذب" للشيرازي (٣/ ٤٤٨) حيث قال: "ومن ردت شهادته بمعصية فتاب قبلت شهادته".
(٢) يُنظر: "مختصر القدوري" (ص ١٤٠) حيث قال: "وإذا حد المسلم في القذف سقطت شهادته وإن تاب".
(٣) أي: مالك والشافعي وأحمد، وتقدم مذهب مالك والشافعي، ويُنظر: "المغني" لابن قدامة (١٠/ ١٧٨) حيث قال: "فإن تاب، لم يسقط عنه الحد، وزال الفسق، بلا خلاف. وتقبل شهادته عندنا".
(٤) تقدمت القصة.
(٥) يعني: إذا ورد الاستثناء بعد جمل متعاطفة فهل يعود إلى الأخير فقط أو يعود إلى جميع الجمل المتعاطفة، وعند الأئمة الثلاثة يعود إلى الجميع بخلاف أبي حنيفة كما يأتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>