للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجماهير العلماء من الصحابة والتابعين (١) - ومنهم الأئمة مالك، والشافعي (٢)، وأحمد- قالوا (٣): كل مسكر خمر من أي نوع كان، سواءٌ كان من العنب، أو كان من الشعير، أو كان من الزبيب، أو كان من الحنطة، أو كانت بيرة تُسْكِر، أو غير ذلك، فهذا كله يُسْكِر، ولذلك لما صعد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا أيها الناس، إنه نزل تحريم للخمر وهي من خمسة"، ثم عددها العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، ثم ختمها بقوله: "والخمر ما خمر العقل" (٤)، أي: ما خالط العقل، وإنما سميت الخمر خمرًا لأنها تغطي عقل صاحبها، فإذا شربها الإنسان تغطَّى عقله وأصبح غير مدرك، وهي تختلف باختلاف قدرها، فلو شرب قليلًا ربما ذهب بعض عقله، والناس أيضًا يتفاوتون، وهم يختفون ما بين مدمن وغيره.

وقد ثبت أنَّ مَن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة؛ لأن خمر الآخرة تختلف عن خمر الدنيا، قال تعالى: {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} [محمد: ١٥]، فلا تذهب العقول ولا تذهب بها؛ لأنها خمر الجنة، أما خمر الدنيا فهي التي توقع في المهالك.


(١) يُنظر: "المغني" لابن قدامة (٩/ ١٥٩) حيث قال: "كل مسكر حرام، قليله وكثيره، وهو خمر حكمه حكم عصير العنب في تحريمه، ووجوب الحد على شاربه. وروي تحريم ذلك عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عمر، وأبي هريرة، وسعد بن أبي وقاص، وأبي بن كعب، وأنس، وعائشة - رضي الله عنه - وبه قال عطاء، وطاوس، ومجاهد، والقاسم، وقتادة، وعمر بن عبد العزيز، ومالك، والشافعي، وأبو ثور، وأبو عبيد، وإسحاق ".
(٢) يُنظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (١٣/ ٣٨٧) حيث قال: "فأما الأنبذة المسكرة سوى الخمر، فقد اختلف الفقهاء في إجراء تحريم الخمر عليها. فذهب الشافعي ومالك وفقهاء الحرمين إلى أن ما أسكر كثيره من جميع الأنبذة قليله حرام".
(٣) يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (٦/ ١١٦) حيث قال: "ويُسمَّى كل شراب أسكر (خمرًا) ولا يجوز شربه ".
(٤) أخرجه البخاري (٤٦١٩)، ومسلم (٣٠٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>