للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكف منه حرام" (١)، إذن هذه الأدلة وغيرها من الأدلة -وهي كثيرة- جاءت عن محمد بن عبد الله، وهي أدلة قاطعة تبين تحريم الخمر، وقد أجمع الصحابة - رضي الله عنهم - على ذلك وأقاموا الحد على من شرب الخمر، وأما الواجب فهو الحد والتفسيق إلا أن تكون توبة، هل هذا الحد كان مقدرًا في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو بعده؟ هل بقي الحد بقدره على ما كان في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو تغير؟ هل كانت الصفة التي بقي عليها الحد هي الصفة التي كانت في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أنها تغيرت؟ فإنه -كما جاء عن بعض الصحابة- يشرع على الناس أحكامًا بقدر ما يفعلونه من فجور (٢)، ولذلك عمر - رضي الله عنه - لما كثر شرب المسكرات في زمنه - رضي الله عنه - وكثر التساؤل فيها، رأى أن ما كان يقام عليهم غير كافٍ في الردع، فاستشار الصحابة في هذا الأمر، فزاد في التعزير.

كما جاء في كتاب الله عز وجل:

{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩]، {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: ٣٨].

فعمر - رضي الله عنه - يستشير الصحابة -كما سيأتي- ولذلك جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء من بعدي، تمسَّكوا بها وعَضُّوا عليها بالنواجذ" (٣)، إذن سنة الصحابة - رضي الله عنهم - هي امتداد لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

قوله: (وَأَمَّا الْوَاجِبُ فَهُوَ الْحَدُّ وَالتَّفْسِيقُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ التَّوْبَةُ).

أيضًا؛ شارب الخمر يوصف بأنه فاسق؛ لأنه فسق عن أمر الله سبحانه وتعالى


(١) تقدم تخريجه أول المسألة.
(٢) وجدته عن عمر بن عبد العزيز كما في "الإحكام" لابن حزم (٦/ ١٠٩)، و"الرسالة" لابن أبي زيد القيرواني (ص ١٣٢) أن عمر بن عبد العزيز قال: يحدث للناس أحكام بمقدار ما أحدثوا من الفجور. وقال ابن حزم: "هذا من توليد من لا دين له، ولو قال عمر ذلك لكان مرتدًّا عن الإسلام … ".
(٣) أخرجه أبو داود (٤٦٠٧) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>