للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مر بنا قبل هذا الكتاب، وحد القذف قد بيَّنه الله سبحانه وتعالى في سورة النور، فقال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤)} [النور: ٤]، فهذا هو حدُّ القذف وهو محدَّد، فقالوا: الذي يشرب الخمر يصيبه الهَذَيان، وإذا هَذَى افترى فربما يرمي هذا وربما يرمي هذا، وأقل الحدود إنما هو حد القذف: ثمانون جلدةً، إذن يُجلد السكران ثمانين جلدةً، ولا يُعتبر هذا مخالفةً لِما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن الصحابة - رضي الله عنهم - إنما غلَّظوا ذلك من باب المصلحة ومن باب درء المفاسد، فالناس تساهلوا في ذلك الأمر وأصبح أمرًا سهلًا عندهم ولذلك رأى عمر - رضي الله عنه - باستشارة الصحابة في أن يضع حدًّا رادعًا مانعًا زاجرًا لهم عن أن يُقدموا على هذه المعصية، فزاد في الحد.

قوله: (وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ (١): الْحَدُّ فِي ذَلِكَ أَرْبَعُونَ).

وهي رواية -كما قلنا- للإمام أحمد.

وهي أيضًا ثمانون: روايةً عن الإمام أحمد (٢) في القول الأول عنده، وهو الذي نسبه إلى الجمهور -ثمانون- لأنها رواية للإمام أحمد، وقول أيضًا للشافعية (٣)، وهناك من يقول: يُجلد أربعين جلدةً، وهذا هو مشهور وهو قول للشافعي (٤)، ورواية للإمام أحمد (٥) أيضًا، وقال به بعض العلماء (٦).


(١) يُنظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٨/ ٩) حيث قال: "قال أبو ثور وداود وأكثر أهل الظاهر الحد في الخمر أربعون جلدة على الحر والعبد".
(٢) يُنظر: "المغني" لابن قدامة (٩/ ١٦١) حيث قال: "في قدر الحد وفيه روايتان، إحداهما: أنه ثمانون … والرواية الثانية: أن الحد أربعون ".
(٣) ما زاد عن الأربعين عند الشافعية يعد تعزيرًا. يُنظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (١٣/ ٤١٢) حيث قال: "فذهب الشافعي إلى أن حد الخمر أربعون، لا يجوز أن ينقص منها وما زاد عليها إلى الثمانين تعزير".
(٤) تقدم.
(٥) تقدم.
(٦) مثل أبي ثور وداود، وتقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>