للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك فإن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يدركون أن ما يكررونه في وقت هو من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم (١) وغيره (٢): "لما جيء إلى علي بن أبي طالب بعقبة بن عامر جلَده، وقال: جلَد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين، وجلَد أبو بكر أربعين، وجلَد عمر ثمانين، وكلٌّ سنةٌ، وهذا أحبُّ إليَّ "، إذن بيَّن عليُّ بن أبي طالب أن ما فعله إنما عن فِعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما فعله أبو بكر كفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن ما فعله عمر - رضي الله عنه - لم يكن خارجًا عن سنة رسول الله، ولذلك قال: "وكلٌّ سنةٌ، وهذا أحبُّ إليَّ "، وهو أنه جلَد الوليد بن عقبة أربعين جلدةً.

قوله: (هَذَا فِي حَدِّ الْحُرِّ، وَأَمَّا حَدُّ الْعَبْدِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ).

إذن؛ عرفنا في كثير من الحدود التي مرَّت بنا أن حد العبد على النصف من حد الحر، والله تعالى يقول: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥]، والعبد إنما يقاس على الأمَة، والآية نَصٌّ في الأمَة وعندما انتقلنا إلى القذف رأينا الذين قالوا بأن العبد يُحَدُّ نصف حد الحر، قاسوا ذلك على الزنا، وكذلك أيضًا هنا.

قوله: (فَقَالَ الْجُمْهُورُ (٣): هُوَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَدِّ الْحُرِّ).


(١) أخرجه مسلم (١٧٠٧).
(٢) أخرجه أبو داود (٤٤٨٠).
(٣) مذهب الحنفية، يُنظر: "مختصر القدوري" (ص ١٣٩) حيث قال: "وإن كان عبدًا فحده أربعون سوطًا".
ومذهب المالكية، يُنظر: "شرح مختصر خليل" للخرشي (٨/ ١٠٨) حيث قال: "وأربعون جلدة على الرقيق ذكرًا أو أنثى".
ومذهب الشافعية، يُنظر: "روضة الطالبين" للنووي (١٠/ ١٧١) حيث قال: "الطرف الثاني في الحد الواجب في الشرب وهو أربعون جلدة على الحر، وعشرون على الرقيق ".
ومذهب الحنابلة، يُنظر: "المبدع" لابن مفلح (٩/ ٩٣) حيث قال: "والرقيق -عبدًا كان أو أمَة- على النصف من ذلك كالزنى والقذف، فكذا مَن شرب الخمر مِن باب أولى، فعلى الأَوْلى: يُحدُّ أربعين وعلى الثانية: عشرين ".

<<  <  ج: ص:  >  >>