للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مات رسول الله طلبوا من بعض الناس قالوا: "اللهم كنا نستسقي برسولك" (١)، يعني يطلبون منه أن يدعو لهم؛ لأنه عم رسول اللّه، ولم يكونوا معتقدين فيه أنه ينفع أو يضر -كما يقولون: "مدد" أو: افعل "-ولا يعتقدون أنه واسطة بينهم وبين الله، فالصحابة لم يكونوا يرجعون إلى رسول الله في قبره ولا يطلبون منه المدد ولا يقولون" افعل لنا كذا "أو" ارفع عنا كذا، ولكنهم كانوا يتجهون إلى الله سبحانه وتعالى.

قوله: (وَعُمْدَةُ الْفَرِيقِ الثَّانِي أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَحُدَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا، وَإِنَّمَا كَانَ يُضْرَبُ فِيهَا بَيْنَ يَدَيْهِ بِالنِّعَالِ ضَرْبًا غَيْرَ مَحْدُودٍ).

يعني ضُرب بالنعال وجريد النخل كما مر في حديث أنس الذي ذكرنا المتفق عليه (٢) بأنه - صلى الله عليه وسلم - أُتي برجل شرب الخمر فضربَه أربعين بالنعال، وأُتي أبو بكر - رضي الله عنه - فصنع مثل ذلك -أي: كما فعل الرسول-، فلما كان زمان عمر - رضي الله عنه - واستخفَّ الناس وتساهلوا، أراد عمر - رضي الله عنه - أن يتخذ زاجرًا ورادعًا، فاستشار الصحابة فأشار عليه عبد الرحمن بن عوف بأن يجلد جلْد الفِرية ثمانين، وعلَّل علي - رضي الله عنه - بقوله: "إذا سكر هَذَى وإذا هذى افترى فيُجلد ثمانين" (٣).

قوله: (وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - شَاوَرَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَمْ بَلَغَ ضَرْبُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِشُرَّابِ الْخَمْرِ؟ فَقَدَّرُوهُ بِأَرْبَعِينَ) (٤).

فالرسول - صلى الله عليه وسلم - ضَرب واعتبَر الصحابة - رضي الله عنهم - ذلك حدًّا؛ لأن كونه يضرب


(١) أخرجه البخاري (١٠١٠) عن أنس بن مالك، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان إذا فحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا".
(٢) أخرجه البخاري (٦٧٧٣)، ومسلم (١٧٠٦). عن أنس بن مالك، "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي برجل قد شرب الخمر، فجلده بجريدتين نحو أربعين "، قال: وفعله أبو بكر، فلما كان عمر استشار الناس، فقال عبد الرحمن: أخف الحدود ثمانين، فأمر به عمر".
(٣) أخرجه النسائي (٥٢٦٩)، وضعفه الألباني في "إرواء الغليل" (٢٠٤٤) وتقدم ذكره.
(٤) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>