للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها، فإن عادت الرابعة، فليجلدها، وليبعها ولو بضفير" (١).

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فَصْلٌ: وَأَمَّا بِمَاذَا يَثْبُتُ هَذَا الْحَدُّ، فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالإِقْرَارِ وَبِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ. وَاخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِهِ بِالرَّائِحَةِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْحِجَازِ: يَجِبُ الْحَدُّ بِالرَّائِحَةِ إِذَا شَهِدَ بِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ شَاهِدَانِ في عَدْلَانِ، وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَجُمْهُورُ عُلَمَاءِ الْبَصْرَةِ، فَقَالُوا: لَا يَثْبُتُ الْحَدُّ بِالرَّائِحَةِ، فَعُمْدَةُ مَنْ أَجَازَ الشَّهَادَةَ عَلَى الرَّائِحَةِ تَشْبِيهُهَا عَلَى الصَّوْتِ وَالْخَطِّ، وَعُمْدَةُ مَنْ لَمْ يُثْبِتْهَا اشْتِبَاهُ الرَّوَائِحِ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبَهِ).

لا يجب الحد حتى يثبت شربه بأحد شيئين؛ الإقرار أو البينة.

ويكفي في الإقرار مرة واحدة. في قول عامة أهل العلم؛ لأنه حد لا يتضمن إتلافًا، فأشبه حد القذف. وإذا رجع عن إقراره قبل رجوعه؛ لأنه حد لله سبحانه، فقبل رجوعه عنه، كسائر الحدود. ولا يعتبر مع الإقرار وجود رائحة. وحكي عن أبي حنيفة، لا حد عليه، إلا أن توجد رائحة. ولا يصح؛ لأنه أحد بينتي الشرب، فلم يعتبر معه وجود الرائحة، كالشهادة؛ ولأنه قد يقر بعد زوال الرائحة عنه؛ ولأنه إقرار بحد، فاكتفي به، كسائر الحدود.

ولا يجب الحد بوجود رائحة الخمر من فيه. في قول أكثر أهل


(١) أخرج عبد الرزاق في "مصنفه" (١٣٦٢٣): عَنْ حَبِيب بْنِ أَبِي فَضَالَةَ، أَنَّ صالْحَ بْنَ كِرِيزٍ، حَدَّثَهُ، أَنَّهُ جَاءَ بِجَارِيَةٍ زَنَتْ إِلَى الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ، إِذْ جَاءَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَجَلَسَ فَقَالَ: "يَا صَالِحُ، مَا هَذِهِ الْجَارِيَةُ مَعَكَ؟ " قَالَ: قُلْتُ: جَارِيَةٌ لِي بَغَتْ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْفَعَهَا إِلَى الْإِمَام لِيُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدَّ. فَقَالَ: "لَا تَفْعَلْ، رُدَّ جَارَيتَكَ، وَاتَّقِ اللَّهَ وَاسْتُرْ عَلَيْهَا". قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ حَتَّى أَدْفَعَهَا. قَالَ لَهُ أَنَسٌ: "لَا تَفْعَلْ، وَأَطِعْنِي" قَال صَالِحٌ: فَلَمْ يَزَلْ يُرَاجِعُنِي حَتَّى قُلْتُ لَهُ: أَرُدُّهَا عَلَى أَنَّهُ مَا كَانَ عَلَيَّ فِيهَا مِنْ ذَنْبٍ، فَأَنْتَ ضَامِنٌ؟ قَالَ: فَقَالَ أَنَسٌ: "نَعَمْ ". قَالَ: فَرَدَّهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>