للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو حنيفة (١): لا يقطع؛ لأن قطعه قضاء على سيده، ولا يقضى على الغائب.

والصواب: أنه يقطع؛ لعموم الكتاب والسُّنة، وأنه مكلف سرق نصابًا من حرز مثله، فيقطع، كغير الآبق.

وقوله: (فَمَنْ وَأَى أَنَّ الإِجْمَاعَ يَنْعَقِدُ بَعْدَ وُجُودِ الْخِلَافِ فِي الْعَصْرِ الْمُتَقَدِّمِ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ عِنْدَهُ قَطْعِيَّةً، وَمَنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ تَمَسَّكَ بِعُمُومِ الأَمْرِ بِالْقَطْعِ، وَلَا عِبْرَةَ لمَنْ لَمْ يَرَ الْقَطْعَ عَلَى الْعَبْدِ الْآبِقِ إِلَّا تَشْبِيهَهُ سُقُوطَ الْحَدًّ عَنْهُ بِسُقُوطِ شَطْرِهِ، أَعْنِي: الْحُدُود الَّتِي تَنْشَطِرُ فِي حَقِّ الْعَبِيدِ، وَهُوَ تَشْبِيهٌ ضَعِيفٌ).

من رأى صحة وقوع الإجماع في العصر المتأخِّر بعد حدوث الخلاف بين المُتقدِّمين، فإنه جعل المسألة مسألة قطعيَّة كجميع مسائل الإجماع، ومن لم ير صحة وقوع الإجماع جعل المسألة خلافيَّة جائز الاجتهاد فيها.

(وَأَمَّا الْمَسْرُوقُ فَإِنَّ لَهُ شَرَائِطَ مُخْتَلَفًا فِيهَا. فَمِنْ أَشْهَرِهَا اشْتِرَاطُ النِّصَابِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى اشْتِرَاطِهِ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْقَطْعُ فِي قَلِيلِ الْمَسْرُوقِ وَكثِيرِهِ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} الآيَةَ [المائدة: ٣٨]. وَوُبَّمَا احْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنِ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أَنَّهُ قَالَ: "لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ


(١) الذي يظهر من كتب الأحناف أن الآبق يُقطع، ينظر: "البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري" (٥/ ٥٤)؛ حيث قال: "ولو سرق جماعة فيهم صبي أو مجنون يدرأ عنهم القطع كذا في البدائع، وشمل الذكر والأنثى والحر والعبد ولو آبقًا والمسلم والكافر كما في البدائع ".

<<  <  ج: ص:  >  >>