للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا اشترك الجماعة في سرقة قيمتها ثلاثة دراهم، قطعوا عند مالك، والشافعي.

وقال أبو حنيفة: لا قطع عليهم إلا أن تبلغ حصة كل واحد منهم نصابًا؛ لأن كل واحد لم يسرق نصابًا، فلم يجب عليه قطع، كما لو انفرد بدون النصاب.

وهذا القول أحب إليَّ؛ لأن القطع هاهنا لا نص فيه، ولا هو في معنى المنصوص والمجمع عليه، فلا يجب، والاحتياط بإسقاطه أولى من الاحتياط بإيجابه؛ لأنه مما يدرأ بالشبهات واحتج أصحابنا بأن النصاب أحد شرطي القطع، فإذا اشترك الجماعة فيه كانوا كالواحد، قياسًا على هتك الحرز؛ ولأن سرقة النصاب فعل يوجب القطع، فاستوى فيه الواحد والجماعة، كالقصاص.

(فَمَنَ قَطَعَ الْجَمِيعَ رَأَى الْعُقُوبَةَ إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِقَدْرِ مَالِ الْمَسْرُوقِ، أَيْ: أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنَ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ هُوَ الَّذِي يُوجِبُ الْقَطْعَ لِحِفْظِ الْمَالِ. وَمَنْ رَأَى أَنَّ الْقَطْعَ إِنَّمَا عُلِّقَ بِهَذَا الْقَدْرِ لَا بِمَا دُونَهُ لِمَكَانِ حُرْمَةِ الْيَدِ- قَالَ: لَا تُقْطَعُ أَيْدٍ كثِيرَةٌ فِيمَا أَوْجَبَ فِيهِ الشَّرْعُ قَطْعَ يَدٍ وَاحِدَةٍ، وَاخْتَلَفُوا مَتَى يُقَدَّرُ الْمَسْرُوقُ، فَقَالَ مَالِكٌ (١): "يَوْمَ السَّرِقَةِ"، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: "يَوْمَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ" (٢)).


= لأن كل واحد منهم سارق ما دون العشرة، ألا ترى أن حد القطع متى سقط فوجب الضمان، ضمن كل واحد دون العشرة، فعلمت أن كل واحد منهم غير سارق للعشرة".
(١) يُنظر: "التهذيب في اختصار المدونة" (٤/ ٤٤١)؛ حيث قال: "يُنظر إلى قيمة السرقة يوم سرقها السارق، ولا تبالي زادت قيمتها يوم القيام به أو نقصت ".
(٢) يُنظر: "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" لابن نجيم (٥/ ٥٤)؛ حيث قال: "وتعتبر قيمة النصاب يوم السرقة ويوم القطع فلو كانت قيمته يوم السرقة عشرة فانتقص بعد ذلك إن كان نقصان القيمة لنقصان العين يقطع وإن كان لنقصان السعر لا يقطع في ظاهر الرواية".

<<  <  ج: ص:  >  >>