للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَرَقَ النِّصابَ، وَإِنْ سَرَقَهُ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ. فَعُمْدَةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أَنَّهُ قَالَ: (ألَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ، وَلَا فِي حَرِيسَةِ جَبَلٍ. فَإِذَا أَوَاهُ الْمُرَاحُ أَوِ الْجَرِينُ فَالْقَطْعُ فِيمَا بَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ" (١). وَمُرْسَلُ مَالِكٍ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْد الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ الْمَكِّيِّ بِمَعْنَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبِ (٢). وَعُمْدَةُ أَهْلِ الظَّاهِرِ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} الْآيَةَ [المائدة: ٣٨] قَالُوا: فَوَجَبَ أَنْ تُحْمَلَ الآيَةُ عَلَى عُمُومِهَا، إِلَّا مَا خَصَّصَتْهُ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ مِنْ ذَلِكَ (٣). وَقَدْ خَصَّصَتِ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ الْمِقْدَارَ الَّذِي يُقْطَعُ فِيهِ مِنَ الَّذِي لَا يُقْطَعُ فِيهِ. وَرَدُّوا حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ لِمَوْضِعِ الاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ فِي أَحَادِيثِ عَمْرِو بْنِ


= وأما قول الصحابة: فقد أوضحنا أنه لم يأت قط عن أحد منهم اشتراط الحرز أصلًا وإنما جاء عن بعضهم: "حتى يخرج من الدار" وقال بعضهم: "من البيت" وليس هذا دليلًا على ما ادعوه من الحرز -مع الخلاف الذي ذكرنا عن عائشة، وابن الزبير في ذلك- فلاح أن قولنا قول قد جاء به القرآن، والسنن الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبالله تعالى التوفيق.
(١) أخرجه ابن ماجه (٢٥٩٦)، وقال الأرناؤوط: إسناده حسن.
(٢) أخرجه مالك في "الموطأ" (٢/ ٨٣١.
(٣) يُنظر: "المحلى" لابن حزم (٢/ ٣٠٩)؛ حيث قال: "فوجدنا الله تعالى يقول: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} [المائدة: ٣٨] فوجب بنص القرآن أن كل من سرق فالقطع عليه، وأن من اكتسب سرقة فقد استحق بنص كلام الله تعالى جزاء لكسبه ذلك قطع يده نكالًا. وبالضرورة الحسية، وباللغة يدري كل أحد يدري اللغة أن من سرق -من حرز أو من غير حرز- فإنه "سارق" وأنه قد اكتسب سرقة، لا خلاف في ذلك، فإذ هو سارق مكتسب سرقة، فقطع يده واجب، بنص القرآن، ولا يحل أن يخص القرآن بالظن الكاذب، ولا بالدعوى العارية من البرهان. فإن من قال: إن الله تعالى إنما أراد في هذه الآية من سرق من حرز، فإنه مخبر عن الله تعالى، والمخبر عن الله تعالى بما لم يخبر به عن نفسه، ولا أخبر به عنه نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقد قال على الله تعالى الكذب، وقال: ما لا يعلم، وقفًا ما لا علم له به- وهذا عظيم جدًّا".

<<  <  ج: ص:  >  >>