للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قوله: (لِمَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " تَعَافَوُا (١) الْحُدُودَ بَيْنَكُمْ، فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ، فَقَدْ وَجَبَ ") (٢).

وتعافوا من العفو، فإذا ما وقع إنسان وقذف آخر أو أخذ له مالًا أو تعدَّى عليه، فإنه يعفو عنه ويصفح، والله تعالى يحب المحسنين، والله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران: ١٣٥]، وقال في الآية التي في سورة آل عمران: {* وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤)} [آل عمران: ١٣٣، ١٣٤]، ويقال بأن زين العابدين كانت له جارية وكانت تصب عليه الماء وفي يدها الإبريق، فانفلت الإبريق - أي: وقع من يدها على يده - فآلَمه، فنظر إليها نظرة تأثُّر، ولكنها كانت مؤدَّبة، فقرأت تلك الآية التي ذكرناها، فلما قالت: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران: ١٣٤]، قال: كظمتُ غيظي، قالت: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: ١٣٤]، قال: عفوتُ عنكِ، قالت: والله تعالى يقول: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: ١٣٤]، فقال: أنتِ عتيقة لوجه الله (٣)، فانظروا إلى حسن الرَّد وإلى حسن العبارة وأن العلم ينفع صاحبه ويفيده في هذه الحياة الدنيا إذا عمل به، وأيضًا يفيده في الحياة الآخرة لأنه نور، فمن سلك طريقًا يلتمس به علمًا سهَّل الله تعالى له به طريقًا إلى الجنة (٤)، وبذلك جاء في الحديث: " من كانت عنده جاريةٌ - وفي رواية: أمَة (٥) - فأدَّبها فأحسن تأديبها، ثم علَّمها فأحسن تعليمها،


(١) تعافوا الحدود، أي: تجاوزوا عنها ولا ترفعوها إليَّ. انظر: " النهاية " لابن الأثير (٣/ ٢٦٥).
(٢) أخرجه أبو داود (٤٣٧٦) وحسنه الألباني في " صحيح الجامع " (٢٩٥٤).
(٣) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (١٠/ ٥٤٥).
(٤) أخرجه مسلم (٢٦٩٩).
(٥) أخرجه البخاري (٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>