للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال له: " هلَّا قبل أن تأتيني؟ " و (هلَّا) أداة تحضيض، وصفوان كان نائمًا في المسجد؛ لأنه ليس عنده بيت يأوي إليه ولا مسكن يقيم فيه، وإنما جاء غريبًا فحلَّ في المسجد فنام فيه، والمساجد كان ينام فيها الناس إلى وقت قريب لأنها كانت تفتح الأبواب، فما كانت توجد الفنادق وما توجد أيضًا الشقق التي تؤجَّر وغير ذلك، وإنما الإنسان بين أمرين: إما يكون له قريب في تلك البلد التي ينزل فيها فيحل ضيفًا عنده، أو لا يكون عنده فإنه بعد ذلك يذهب إلى المسجد وينام فيه، فلفَّ صفوان رداءه ووضعه تحت رأسه وتوسَّدها فجاء اللص يأخذه شيئًا فشيئًا حتى سحبه فقبض عليه صفوان، فأخذه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن قصد صفوان أن تُقطع يده، ولكن أراد أن يؤدِّب ليكون ذلك درسًا له حتى لا يعود مرة أُخرى، ولكن الحدود تختلف في العفو بين أن يعفو صاحبها قبل أن تُرفع إلى الإمام وبين أن تصل إليه، فإذا وصلت إليه فقد انتهى كل شيء إلا فيما يتعلق بالإقرار، فإن هناك فرقًا بين البينة والإقرار، فمثلًا الذي يرتكب حدًّا إذا أقرَّ به ثم رجع عنه عند الإمام، فإنه يسقط عنه الحد، أما ما يثبت بالبينة فلا.

* قوله: (وَاخْتَلَفُوا فِي السَّارِقِ يَسْرِقُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ، فَيُرْفَعُ إِلَى الْإِمَامِ، وَقَدْ وَهَبَهُ صَاحِبُ السَّرِقَةِ مَا سَرَقَهُ، أَوْ يَهَبُهُ لَهُ بَعْدَ الرَّفْعِ، وَقَبْلَ الْقَطْعِ، فَقَالَ مَالِكٌ (١)، وَالشَّافِعِيُّ (٢): عَلَيْهِ الْحَدُّ).

وكذلك أحمد، فقال الأئمة مالك، والشافعي، وأحمد (٣): عليه


(١) يُنظر: " البيان والتحصيل " لابن رشد الجد (١٦/ ٢٢٧) حيث قال: " لأن القطع حد من حدود الله وحق من حقوقه، فلا يسقط برد السارق السرقة إلى موضعها إن كان ذلك قبل أن يرفع أمره إلى الإمام، كما لا تسقط بهبة المسروق إياها له وإن كان وهبها له قبل أن يرفع أمره إلى الإمام ".
(٢) يُنظر: " الحاوي الكبير " للماوردي (١٣/ ٢٠٣) حيث قال: " إذا ملك السارق السرقة بعد إخراجها من حرزها ووجوب القطع فيها، أما بهبة أو ابتياع أو ميراث لم يسقط عنه القطع ".
(٣) يُنظر: " المغني " لابن قدامة (٩/ ١٢٨) حيث قال: " السارق إذا ملك لعين المسروقة =

<<  <  ج: ص:  >  >>