للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قوله: (وَإِنْ رَجَعَ عَنِ الإِقْرَارِ إِلَى شُبْهَةٍ قُبِلَ رُجُوعُهُ. وَإِنْ رَجَعَ إِلَى غَيْرِ شُبْهَةٍ، فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ) (١).

فمراد المؤلف أنه إذا رجع المُقِرُّ بالسرقة عن إقراره: هل يقام عليه الحد أو يسقط عنه؟ وكما هو معلوم أن للمالكية بعض أمور يتوسعون فيها من باب المصالح، وأيضًا أحيانًا يذكرون ما يتعلق بالشبهة، وقد رأيتم فيما يتعلَّق بالدعوى، وعرفنا أن البينة على المدَّعي واليمين على المدَّعى عليه، وأحيانًا يقلبون ذلك لوجود شبهة، وإذا قويت الشبهة فإنهم يعكسون ذلك، فالمالكية هنا يعتبرون الشبهة، لكن الأئمة الثلاثة - أبا حنيفة (٢)، والشافعي (٣)، وأحمد (٤) - يرون أنه لو رجع عن إقراره لقُبِل، ودليل ذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - للسارق: " ما إخالكَ سرقتَ " (٥) يعني: ما أظنكَ سرقتَ، حتى تكلم بعض العلماء (٦) هل يلقَّن السارق؟ يعني هل يلقَّن السارق إذا أقر بالسرقة الرجوع؟ ذكروا هذا وقالوا: هذا الحديث دليل؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما إخالكَ سرقتَ " (٧)، وبعضهم قال: لا، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - أراد التثبُّت وأن يراجع الإنسان نفسه، وله أن يرجع عن إقراره، والذين


(١) يُنظر: " المقدمات الممهدات " لابن رشد الجد (٣/ ٢٢١) حيث قال: " فاختلف هل له أن يرجع عن إقراره بعد التعيين أم لا على قولين مرويين عن مالك رَحِمَهُ اللَّهُ وقعا له في سماع عيسى من كتاب السرقة ".
(٢) يُنظر: " بدائع الصنائع " للكاساني (٧/ ٦١) حيث قال: " وأما بيان ما يسقط الحد بعد وجوبه فالمسقط له أنواع: منها الرجوع عن الإقرار بالزنا والسرقة والشرب والسكر ".
(٣) يُنظر: " المهذب " للشيرازي (٣/ ٤٧٣) حيث قال: " وإن كان حد السرقة أو قطع الطريق ففيه وجهان: أحدهما: أنه لا يقبل فيه الرجوع؛ لأنه حق يجب لصيانة حق الآدمي فلم يقبل فيه الرجوع عن الإقرار كحد القذف والثاني: وهو الصحيح أنه يقبل ".
(٤) يُنظر: " شرح منتهى الإرادات " للبهوتي (٣/ ٣٧٨) حيث قال: " (ولا ينزع)، أي: يرجع عن إقراره (حتى يقطع) فإن رجع ترك ".
(٥) أخرجه أبو داود (٤٣٨٠)، وضعفه الألباني في " إرواء الغليل " (٢٤٢٦).
(٦) هو جمهور الفقهاء الذين رأوا صحة رجوعه عن إقراره، وتقدم ذكرهم.
(٧) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>