للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُنْفَوْا} [المائدة: ٣٣]، أَيْ: مِنْ أَرْضِ الإِسْلَامِ إِلَى أَرْضِ الحَرْبِ .. وَالَّذِي يَظْهَرُ هُوَ أَنَّ النَّفْيَ تَغْرِيبُهُمْ عَنْ وَطَنِهِمْ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ} [النساء: ٦٦]، فَسَوَّى بَيْنَ النَّفْي وَالقَتْلِ، وَهِيَ عُقُوبَة مَعْرُوفَةٌ بِالعَادَةِ مِنَ العُقُوبَاتِ كَالضَّرْبِ وَالقَتْلِ، وَكُلُّ مَا يُقَالُ فِيهِ سِوَى هَذَا فَلَيْسَ مَعْرُوفًا لَا بِالعَادَةِ، وَلَا بِالعُرْفِ).

اختلَف أهل العلم (١) في المراد بالنفي في قول الله تعالى: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: ٣٣]:

قال الشَّافعيُّ (٢) وأحْمَدُ (٣) النفي هو أن يخرج من البلاد كلها لا يلوي على شيءٍ، يتيه في الأرض على وجهٍ لا يستقبله أحد؛ لأنه محدثٌ، والمحدث لا يجوز إيواؤه (٤) كما صح ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلة ذلك عند الشافعي أن النفي غير مقصود، كما ذكر المؤلف رَحَمِهُ اللهُ.

وقال أبو حنيفة (٥): المراد بالنفي هو أن يُسْجنَ في مكانه؛ لأن النفي


(١) تقدم تفصيله.
(٢) يُنظر: " نهاية المحتاج " للرملي (٨/ ٥) حيث قال: " (ولو) (علم الإمام قومًا يخيفون الطريق) أو وا حدًا (ولم يأخذوا مالًا) أي: نصابًا (ولا) قتلوا (نفسًا)، (عزرهم) وجوبًا ما لم ير في تركه مصلحة كما يؤخذ من باب التعزير (بحبس وغيره) ردعًا لهم عن هذه الأمور الفظيعة، وقد فسر النفي في الآية بالحبس، ومن ثَمَّ كان أولى من غيره، فلا يتعين، وله جمع غيره معه كما اقتضاه كلام المصنف، ويرجع في قدره وقدر غيره وجنسه لرأي الإمام، ولا يتعين الحبس كما هو ظاهرٌ، ولا يتقدَّر بمُدَّةٍ، والأَوْلَى استدامته إلى ظهور توبته، وأنْ يكون بغير بلده.
(٣) يُنظر: " المغني " لابن قدامة (٩/ ١٥٠) حيث قال: " والنفي هو تشريدهم عن الأمصار والبلدان، فلا يتركون يأوون بلدًا ".
(٤) أخرجه مسلم (١٩٧٨) عن أبي الطفيل قال: قلنا لعليِّ بن أبي طالبٍ: أخبرنا بشيءٍ أسرَّه إليك رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما أسرَّ إليَّ شيئًا كتمه الناسَ، ولكني سمعته يقول: " لَعَن الله مَنْ ذبح لغير الله، ولعن الله مَنْ آوى محدثًا … ". الحديث.
(٥) يُنظر: " حاشية ابن عابدين " " رد المحتار " (٤/ ١١٣، ١١٤) حيث قال: (قوله: حبس) وما في الخانية من أنه يعزر ويخلى سبيله خلاف المشهور. فتح. وأفاد أيضًا أن =

<<  <  ج: ص:  >  >>