للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا يُفرِّقون بين الحالتين، فإن كان ذا شوكةٍ وقوةٍ ورأيٍ، سُجنَ حتى تنتهي المعركة إنْ كانت لا زالت قائمةً، ثم يرد هؤلاء إلى صوابهم، ويُؤْخذ علَيهم العهد ألَّا يعودوا؛ لأنهم مؤمنون، وإنما خرجوا متأوِّلين.

* قوله: (فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ البِدْعِيِّ الَّذِي لَا يَدْعُو إِلَى بِدْعَتِهِ): أهلُ البدع أصنافٌ متعددةٌ، فمنهم المبتدع الداعي إلى بدعته، ومنهم غير الداعي إليها، ومنهم المتأول، ولكلٍّ حكمٌ، ومحل تفصيل الكلام عنهم في كتب العقائد.

* قوله: (وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ (١) فِي التَّكْفِيرِ بِالمَآلِ (٢)، وَمَعْنَى التَّكْفِيرِ بِالمَآلِ أَنَّهُمْ لَا يُصَرِّحُونَ بِقَوْلٍ هُوَ كُفْرٌ، وَلَكِنْ يُصَرِّحُونَ بِأَقْوَالٍ يَلْزَمُ عَنْهَا الكُفْرُ، وَهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ ذَلِكَ اللُّزُومَ، وَأَمَّا مَا يَلْزَمُ هَؤُلاءِ مِنَ الحُقُوقِ إِذَا ظُفِرَ بِهِمْ، فَحُكْمُهُمْ إِذَا تَابُوا أَلَّا يُقَامَ عَلَيْهِمْ حَدُّ الحِرَابَةِ، وَلَا يُؤْخَذَ مِنْهُمْ مَا أَخَذُوا مِنَ المَالِ إِلَّا أَنْ يُوجَدَ بِيَدِهِ فَيُرَدَّ إِلَى رَبِّهِ).


(١) يُنظر: " البيان والتحصيل " لابن رشد الجد (١٦/ ٣٦٢، ٣٦٣) حيث قال: " (مسألة: قال مالك: قال: آيةٌ في كتاب الله أشد على أهل الاختلاف من أهل الأهواء من هذه الآية: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ} [آل عمران: ١٠٦]، ويقول الله: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ}، الآية، قال مالك: فأي كلام أبْيَن من هذا؟ قال ابن القاسم: وروايته تأوَّلها على أهل الأهواء. قال ابن القاسم: قال مَالكٌ: إنَّما هذه الآية لأهل القبلة. قال مالكٌ: كان هاهنا رجلٌ يقول: والله ما بقي دين إلا وقد دخلت فيه (يعني: الأهواء)، فلم أر شيئًا مستقيمًا (يعني بذلك فرق الإسلام)، فقال له رجل: أنا أخبرك، ما شأنك لا تعرف المستقيم لأنك رجل لا تتقي الله، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}. قال سحنون: بلغني أن الذي قال له ذلك القاسم بن محمد.
قال محمد بن رشد: تأويل مالك لهذه الآية في أهل القبلة يدل على أنه رآهم كفارًا بما يؤول إليه قولهم، وذلك في مثل القدرية الذين يقولون: إنهم خالقون لأفعالهم، قادرون عليها بمشيئتهم وإرادتهم دون مشيئة الله … وفي مثل المعتزلة الذين ينكرون صفات ذات البارئ عز وجل من علمِهِ وكلامه ". وانظر أيضًا: " البيان والتحصيل " (١٦/ ٣٨٠ - ٣٨٣).
(٢) " التكفير بالمآل ": مَنْ قال قولًا يؤديه مساقه إلى كفر هو إذا وقف عليه لا يقول بما يؤديه قوله إليه. انظر: " الشفا بتعريف حقوق المصطفى " للقاضي عياض (٢/ ٢٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>