للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا خلَاف في اشتراط الحرية - كما قال المؤلف - لأن العبدَ ناقصٌ، ولا يمكن أن يتولى القضاء، وكذلك شهادته غير مقبولة، ولذلك لا يمكن توليته القضاء؛ لأن أمرَه ليس بيده، إذن ينبغي أن يكون القاضي حرًّا، لكن هذا المملوك إذا أعتق، وَتَوفَّرت فيه شروط القضاء، جَازَتْ توليتُهُ.

* قَوْله: (وَلَا خِلَافَ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ (١) أَنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالكَلَامَ مُشْتَرَطَةٌ فِي اسْتِمْرَارِ وِلَايَتِهِ، وَلَيْسَ شَرْطًا فِي جَوَازِ وِلَايَتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ صِفَاتِ القَاضِي فِي المَذْهَبِ مَا هِيَ شَرْطٌ فِي الجَوَازِ، فَهَذَا إِذَا وُلِّيَ عُزِلَ وَفُسِخَ جَمِيعُ مَا حَكَمَ بِهِ).

ذَهَب مالكٌ (٢)، وكذلك أحمد (٣) إلى أنه لا بدَّ أن يكون متكلمًا، ذا سمعٍ وبصرٍ؛ لأنه إذا لم يكن متكلمًا، فكيف يعرف حكمه؟ وإن لم يكن سميعًا فكيف يسمع الخصمين؟ وإذا كان أعمى فكيف يعرف أن هذا مدعٍ وذاك مدعًى عليه.

وجوَّز الشافعيةُ (٤) صحةَ قضاء الأعمى، واستدلوا بأن نبيَّ الله شعيب عليه السلام كان قاضيًا أعمى، ونحن عندما ننظر في الواقع نجد أن الله سبحانه إذا سلب إنسانًا نعمةً، عَوَّضه، فكَمْ من أعمى وَهَبه الله تَعَالَى علمًا واسعًا، وذكاءً نادرًا، وفطنة ودهاءً، وبُعْدَ نظرٍ حتى فاق بعض المبصرين.


(١) يُنظر: " مختصر خليل " (ص ٢١٨) حيث قال: " ونفذ حكم: أعمى وأبكم وأصم، ووجب عزله ".
(٢) تقدم.
(٣) يُنظر: " المغني " لابن قدامة (١٠/ ٣٦) حيث قال: " وأما كمال الخلقة، فأَنْ يكون متكلمًا سميعًا بصيرًا؛ لأن الأخرس لا يمكنه النطق بالحكم، ولا يفهم جميع الناس إشارته، والأصم لا يسمع قول الخصمين، والأعمى لا يعرف المدعي مَن المُدَّعى عليه، والمقر من المقر له ".
(٤) هو قول عند الشافعية، يُنظر: " كفاية الأخيار " لتقي الدين الحصني (ص ٥٥١) حيث قال: " يشترط في القاضي السمع والبصر، فإن الأصم لا يفرق بين الإقرار والإنكار، والأعمى لا يعرف الطالب من المطلوب. وقيل: تصح ولاية الأعمى ".

<<  <  ج: ص:  >  >>