للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآن - كما نرى - خرجت هذه القضية وأصبحت لها جهات معينة، فهي تتبع بعض الوزارات؛ ففي بعض البلاد تتبع وزارة الأوقاف، وفي بعضها تتبع وزارة الشؤون الإسلامية، إذًا فقد خرجت عن مسؤولية القضاء، وهذا يسمى ترتيبًا وتقسيمًا للمسؤوليات، وتخصصًا فيها، فإن المسؤوليات إذا وزعت وقسمت بين أناس تكون العناية فيها أكثر؛ فالقاضي ينشغل بما هو أهم وأكبر في حل مشكلات الناس، ورسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - كان قاضيًا، والأنبياء قبله كانوا قضاةً، كان يحكم بين الناس بالعدل، ولكن القاضي لا يعلم الغيب، وإنما الذي يعلم الغيب هو اللّه تعالى قال سبحانه: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: ٦٥]، وقال: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٥٩)} [الأنعام: ٥٩]. فهو سبحانه وتعالى عالم الغيب، وعنده مفاتح الغيب {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: ٣٤]. ولذلك يقول اللّه تعالى حكاية عن نبيه: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} [الأعراف: ١٨٨]. وما علمه من الغيب إنما


= حيث قال: "وندب تقديم سلطان أو نائبه ولو كان غيره أفقه وأفضل منه". وفي الحاشية قال اللقاني: "المراد بالسلطان من له سلطنة، سواء كان السلطان الأعظم أو نائبه، ويدخل في ذلك القاضي".
ومذهب الشافعية، يُنظر: "نهاية المحتاج" للرملي (٢/ ١٨٦)؛ حيث قال: "ويراعى في الولاة تفاوت درجتهم، فيقدم الإمام الأعظم، ثم بقية من له الولاية الأعلى، فالأعلى حتى على الإمام الراتب. نعم لو ولى الإمام أو نائبه الراتب قدم على والي البلد وقاضيه. كما قاله الأذرعي وغيره".
ومذهب الحنابلة، يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (١/ ٤٧٣)؛ حيث قال: "ويقدم عليهما - أي: على صاحب البيت وإمام المسجد - ذو سلطان، وهو الإمام الأعظم، ثم نوابه كالقاضي".
* محل تقديم القاضي ما لم يعين السلطان من يقوم بذلك: يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (٦/ ٢٩٠)؛ حيث قال: "وإقامة الجمعة بالأذن في إقامتها، ونصب إمامها، وكذا العيد؛ لأن الخلفاء كانوا يقيمونها، ما لم يُخصّا بإمام من جهة السلطان".

<<  <  ج: ص:  >  >>