للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو لم يطلقها، ويظهر للقاضي أن الشاهدين في ظاهريهما عدالة، ليس ثمة شيء للقدح فيهما، فليس أمامه إِلَّا أن يحكم بعدالتهما، فيحكم تبعًا لذلك، إذًا ما حكم به القاضي شيء، وما هو واقع شيء آخر، حتى إن من العلماء من قال - وإن كان هذا قولًا مرجوحًا كما سيأتي: "لو جاء شاهدان فشهدا بأن هذا الرجل طلق هذه المرأة، فإنه يجوز لأحد الشاهدين أن يتزوجها، وسيأتي الكلام عن ذلك، باختصار: هل قضاء القاضي يحل الحكم لذلك المقضي له أو لا؟ "

القاضي يحكم استنادًا إلى بينات تكون عنده، ولكن ربما يكون الشهود أهل باطل، ولذلك نجد أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - عندما عدَّ السبع الموبقات لما وصل إلى شهادة الزور جلس، وكان متكئًا قبل، جلس وبدأ يكرر: "ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور" (١) حتى تمنى الصحابة أن يسكت؛ لشدة ما قال عن شهادة الزور، لأن شهادة الزور قد تطير بها الرقاب، وقد تقطع بها الأيدي، وقد تذهب بها الأموال، وربما يجلد إنسان، وربما يقذف، إلى غير ذلك، وربما يقتل في زنًا، والشهود إنما هم شهود زور، إذًا يترتب عليها أمر عظيم خطير، وقد تنتهي هذه الحياة الدنيا وينجو شاهد الزور فيها، لكن ماذا سيكون موقفه يوم يقف شاخصًا بين يدي اللّه تعالى، فيُسأل عن ظلمه وعن تجنيه، هذه الحياة الدنيا ستنتهي إلى فناء، وكل إنسان سيموت.

لا بدّ من تَلَفٍ مقيمٍ فانتظِرْ … أبأرْضِ قَومِكَ أم بأخرى المَصَرع

وليأتين عليك يوم مرة .... يبكى عليك مقنَّعًا لا تسمع (٢)

إذًا كل إنسان سيُلف بهذا القماش، وسيصلى عليه، ويُحمل فوق النعش بين الخشبات، ويُحفر له حفرة، ويُوضع في الأرض، وكذلك يُحثى عليه التراب، ولكن النتيجة أنه سيُسأل عن أمور، وهناك يتميز أهل الحق من أهل الضلال.


(١) أخرجه البخاري (٢٦٥٤) و (٦٩١٩)، ومسلم (٨٧).
(٢) البيتان لأبي ذؤيب الهذلي. انظر: "ديوان الهذليين" (١/ ٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>