للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شهادة الزور أمرها خطير، وشأنها كبير، فالقاضي إذا قضى بحكم، فجماهير العلماء يقولون: إن القاضي لا يحل الحكم، هو يحكم بالظاهر، ولذلك فإن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنكم تختصمون إليّ، ولعل بعغم يكون ألحن بحجته من الآخر" (١). بعض الناس يعطيه اللّه فصاحة وبيانًا في اللسان، وقدرة على إيراد الحجج تترى، تأتي الحجة تلو الحجة، تجده قوي الجحة، فإذا اختصم تجد أنه على مقدرة، ولذلك كانوا يقولون عن الإمام أبي حنيفة من قوة حجته: "إنه يستطيع أن يقول لك، هذه السارية من ذهب" (٢)، ولقوة حجته أنت تتأثر بكلامه؛ لذلك جاء في الأثر: "إن من البيان لسحرًا" (٣)، وبعض الناس تجد أنه عيي ليس بفصيح، ليس قادرًا على النطق، لا قدرة عنده على التعبير، وإيراد الحجج والبراهين مثل خصمه، فتجد أن هذا يؤثر، وهكذا أنت تجد الناس يختلفون في هذا المقام، فأنت ربما تجد مدرسين في فصل يتعاقبان، يدخل هذا فتجد أنه يترك أثرًا في الطلاب، تجد أنه يشد الطلاب إلى درسه، وينتبهون إليه، ويتأثرون به، ويأتي آخر أكثر علمًا منه لكنه لا يستطيع أن يوصل المعلومات إلى الطلاب، أو يكون عنده نقص في أسلوبه أو في طريقة تدريسه، فتجد أن الإقبال عليه يقل؛ فالبلاغة لها قدر كبير في نفوس السامعين، والناس فيها متفاوتون، ولذلك قال موسى لربه: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي} (٤) [القصص: ٣٤]، ولهذا فإن لفصاحة اللسان أثرًا، لذلك قال اللّه تعالى عن


= المشهود به قتلًا أو جرحًا، فقالوا: تعمدنا؛ فعليهم القصاص، وإن قالوا: أخطأنا؛ غرموا الدية وأرش الجرح".
(١) أخرجه البخاري (٢٦٨٠) و (٦٩٦٧) و (٧١٦٩)، ومسلم (١٧١٣).
(٢) يُنظر: "مناقب الإمام أبي حنيفة وصاحبيه" للذهبي (ص ٣٠، ٣١)، وذكر بسنده إلى الشافعي قال: "قيل لمالك: هل رأيت أبا حنيفة؟ " قال: "نعم، رأيت رجلًا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبًا لقام بحجته".
(٣) أخرجه البخاري (٥١٤٦).
(٤) الردء: العون والناصر، انظر: "النهاية" لابن الأثير (٢/ ٢١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>