للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا القرآن: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزمر: ٢٨]، {لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: ١٠٣].

والرسول - صلى الله عليه وسلم - كان أفصح الناس كلامًا، وأقدرهم بيانًا، وأشدهم تأثيرًا، وقد أوتي - صلى الله عليه وسلم - جوامع الكلم (١)، وهذا من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن اللّه تعالى خصه بأمورٍ، منها جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم -، فلم تكن خطب رسول اللّه كخطبنا، ولم تكن دروسه كدروسنا، بل هي كلمات يسيرات (٢)، أو مواعظ قليلة، لكنها تترك أثرًا في النفوس، ولم يكن يكثر من ذلك، بل كان يتعاهد الناس؛ لأن الناس بالنسبة للمواعظ، كالأرض، أنت لا تسقيها دائمًا؛ لأنك لو أكثرت عليها الماء لغمرتها، ولو تركت هذه النفوس لعطشت، وربما ماتت، إذًا هي بحاجة دائمًا إلى أن تتعاهدها بالسقي والرعاية، كذلك كان رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - يتعاهد الناس بالمواعظ (٣)، وكانت خطبه كلمات يسيرات، لكنه إذا خطب كأنه قائم على الجيش يقول: صبحكم ومساكم (٤).

إذًا كان رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - يأخذ بمجامع القلوب، ويؤثر في النفوس، ويأخذ بالألباب، وتجد مواعظه - صلى الله عليه وسلم - تستقر في الأفئدة، وتبقى محفوظة في القلوب، ولذلك حفظ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثه كأنه نُقش في قلوبهم


(١) معنى حديث أخرجه مسلم (٥٢٣) عن أبي هريرة، عن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "نصرت بالرعب على العدو، وأونيت جوامع الكلم، … " الحديث.
(٢) معنى حديث أخرجه أحمد في المسند (١٧٨٥٦) عن الحكم بن حزن قال فيه: " … فلبثنا عند رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أيامًا، شهدنا فيها الجمعة، فقام رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - متوكئًا على قوس - أو قال: على عصا - فحمد اللّه وأثنى عليه كلمات خفيفات، طيبات، مباركات … " الحديث. وقوى إسناده الأرناؤوط.
(٣) معنى حديث أخرجه البخاري، واللفظ له (٦٨، ٧٠) ومسلم (٢٨٢١) عن ابن مسعود، قال: "كان النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بالموعظة في الأيام، كرأهة السآمة علينا".
(٤) أخرجه مسلم (٨٦٧) عن جابر بن عبد اللَّه، قال: كان رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب احمرَّت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: "صبحكم ومسا كم … " الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>