للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقشًا؛ لأنهم كانوا يصغون إليه غاية الإصغاء، وكان - صلى الله عليه وسلم - قديرًا على إبلاع الناس وإيصال الأمر إليهم، مع حبهم لما يصدر من رسول اللّه، وسرعة تقبلهم وتلقيهم له، فكان يؤثر فيهم، وهذا يرجع إلى قضية الحجة أيضًا.

القاضي عنده شهود، وقد لا يكون هناك شهود، فيرجع إلى اليمين، فقصدنا هنا أن الحجه لها تأثير، ولذلك قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم تختصمون إليّ"، يعني ترفعون إلي الخصومة والمشكلة من المشكلات، وتتنازعون في أمر: "ولعل بعضكم يكون ألحن (١) " يعني: أقدر، وليس المقصود باللحن الخروج عن اللغة، لكن المعنى أنه يكون أشد بيانًا وبلاغة" ألحن بحجته من الآخر؛ فأقضي له على نحو مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فليدعه" (٢)، وفي رواية: "فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا، فإنما أقطع له قطعة من نار" (٣).

وقوله: "ومن قضيت له من حق أخيه شيئًا" بمعنى أنني قد أقضي لإنسان بحق هو حق لغيره، فلا يظن هذا الآخذ أن قضائي له يحله له، فهو في ظاهره حلال، لكنه في باطنه حرام، والذي يعلم السر وأخفى إنما هو علام الغيوب الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، فهو الذي يعلم ذلك، وهو يسجل على الإنسان كل صغيرة وكبيرة، وتدوّن على الإنسان في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إِلَّا أحصاها. قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (٤٧)} [الأنبياء: ٤٧] اللّه تعالى لا يخفى عليه شيء، لا يغيب عنه شيء في السماء ولا في الأرض، وكل


(١) ألحن: يعني بعضكم يكون أعرف بالحجة وأفطن لها من غيره. انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (٤/ ٢٤١)، و، "لسان العرب" لابن منظور (١٣/ ٣٨٠).
(٢) أخرجه أبو داود (٣٥٨٣)، بلفظ: "فلا يأخذ منه شيئًا"، وصححه الألباني "صحيح أبي داود".
(٣) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>