للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَدَوِيِّ عَلَى حَضَرِيٍّ ").

الحديث عند أبي داود، وهو: " لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية ".

لكن الجمهور يرون ثبوت ذلك، الأئمة الثلاثة؛ أبو حنيفة والشافعي وأحمد (١)، يقولون: "هي ثابتة"، والإمام مالك (٢) هو الذي يدفعه، وله وجهة: أولًا: يقول الإمام مالك: إن البدوي الغالب عليه الجفاء، بمعنى أنه جافٍ مبتعدٌ عن الناس، هو يعيش مع بهيمة الأنعام، ويتنقل من مكان إلى مكان. ثانيًا: يقول مالك: إن البدوي يغلب عليه الجهل في أمور الدِّين، والشهادة تحتاج إلى تثبت وإدراك للمسؤولية، ولذلك ردت شهادة الصغير؛ لأنه لا يدرك ما يدركه الكبير، ولأنه لا يلحقه إثم، ولذلك يعتنى بأمر الشهادة، وكما رأينا بعض الشهادات تحتاج إلى أن تكون العناية فيها أكثر والعدد أكبر، إذًا علة من منع ذلك هو أن من يكون في البادية في الغالب يكون من صفته الجفاء، وكذلك أيضًا الجهل بأحكام الدِّين، وهذا أمر مشاهد؛ لبعدهم عن ذلك. أما إذا كان البدوي ممن تعلم وممن أدرك، فهو لا يشمله ذلك، وكذلك قال بعضهم: إذا وجدت الشروط التي ذكرت في الشهود وتوفرت فيه، فهو كغيره، ولذلك قالوا: "من بدا جفا، ومن تتبع الصيد فتن". يعني الذين يجرون وراء الصيد ربما قد يذهب حياته وراء


(١) مذهب الحنفية، ينظر: "البناية شرح الهداية" للعيني (٩/ ١٥٠)؛ حيث قال: "وعند مالك لا تقبل شهادة القروي البدوي في غير الدماء، ذكره في "الجواهر"، وقال عامة العلماء: تقبل إذا كان عدلًا عالمًا بكيفية الشهادة تحملًا وأداء".
مذهب الشافعية، يُنظر: "الأم " للشافعي (٦/ ٢٢٦)؛ حيث قال: "تجوز شهادة البدوي على القروي، والقروي على البدوي ".
ومذهب الحنابلة، يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (٦/ ٤٢٧)؛ حيث قال: "تقبل شهادة القروي على البدوي، وعكسه ".
(٢) يُنظر: "الذخيرة" للقرافي (١٠/ ٢٨٤)؛ حيث قال: "ترد شهادة البدوي على الحضري لبدوي مطلقًا، كان في الحضرة والبدوية ".

<<  <  ج: ص:  >  >>