للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طير صغير، يركب سيارته ويميل هنا وهنا، وربما ينتهي به الأمر إلى أن يغادر هذه الحياة، وتجد أنه يقطع الفيافي والقفار وربما لا يدرك إلا وقد مضى به الزمن، يحتاج لكي يعود إلى بيته إلى ساعات وساعات، ولذلك من تبع الصيد فتن، ولو سألت أي إنسان من المولعين بالصيد لقال: نعم، هذه حقيقة." ومن بدا جفا" وهذه أيضًا بالتجربة معروفة، فأنت تجد طبيعة الحضري تختلف عن طبيعة البدوي الذي ابتعد عن الناس، لكن البدوي ليس هو البدوي الذي كان بدويًّا ثم دخل المدن، فهذا أصبح من الحضر، والبدوي لا بد أن يكون أصله من تلك القبائل.

قوله: (لِقِلَّةِ شُهُودِ البَدَوِيِّ مَا يَقَعُ فِي المِصْرِ).

جاء بها بعبارة ألطف، يعني ليس عنده ما يدركه الحضري، قال الشاعر:

ومارست الرجال ومارسوني (١)

هو يعيش في هذا المجتمع، ويعرف ألوان الناس، والبدوي له مزايا، تجد أنه على الفطرة، ولذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما جاء له بتلك الأَمَةِ سألها: " أين الله؟ " قالت: في السماء (٢). إذًا البدوي دائمًا تجد فيه الصراحة، والصدق، لم يتعود اللف والدوران، لكن ربما تجد الذي يعيش في المدينة إلى جانب أنه عنده أشياء، فإن عنده أشياء تميز البدوي فيها عليه؛ فالبدوي تجد فيه الشجاعة والصلابة والصراحة، ولذلك كان الصحابة - رضي الله عنه - يسرون إذا جاء البدوي إلى المدينة؛ ليسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أمور يتخوفون من السؤال عنها (٣). قال تعالى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ


(١) وشطره الثاني: "فَمُعْوَجٌّ عليّ ومستقيم "، وقائله: قيس بن زهير العبسي.
(٢) أخرجه مسلم (٥٣٧).
(٣) معنى حديث أخرجه مسلم (١٢) عن أنس بن مالك، قال: " نهينا أن نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل، فيسأله، ونحن نسمع ".

<<  <  ج: ص:  >  >>