واحتججنا بقول النبي عليه الصلاة والسلام: المؤمنون إخوة، تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم. وقوله في حجة الوداع، وهي خطبته التي ودع فيها أمّته وختم نبوّته:«أيها الناس، إنّ الله أذهب عنكم نخوة الجاهلية وفخرها بالآباء. كلّكم لآدم وآدم من تراب، ليس لعربي على عجميّ فضل إلا بالتقوى» .
وهذا القول من النبي عليه الصلاة والسلام موافق لقول الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ
«١» فأبيتم إلا فخرا وقلتم لا تساوينا العجم وإن تقدّمتنا إلى الإسلام، ثم صلت حتى تصير كالحنى، وصامت حتى تصير كأوتار، ونحن نسامحكم ونجيبكم إلى الفخر بالآباء الذي نهاكم عنه نبيكم صلّى الله عليه وسلم، إذ أبيتم إلا خلافه، وإنما نجيبكم إلى ذلك لاتباع حديثه وما أمر به صلّى الله عليه وسلم، فنرد عليكم حجتكم في المفاخرة، ونقول: أخبرونا إن قالت لكم العجم هل تعدون الفخر كله أن يكون ملكا أو نبوّة؟ فإن زعمتم أنه ملك قالت لكم: وإن لنا ملوك الأرض كلها من الفراعنة والنماردة والعمالقة والأكاسرة والقياصرة، وهل ينبغي لأحد أن يكون له مثل ملك سليمان الذي سخّرت له الإنس والجن والطير والريح، وإنما هو رجل منا؟ أم هل كان لأحد مثل ملك الإسكندر الذي ملك الأرض كلها وبلغ مطلع الشمس ومغربها وبنى ردما من حديد ساوى به بين الصّدفين، «٢» وسجن وراءه خلقا من الناس تربى على خلق الأرض كلها كثرة؛ يقول الله عز وجل: حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ
«٣» فليس شيء أدل على كثرة عددهم من هذا، وليس لأحد من ولد آدم مثل آثاره في الأرض؛ ولو لم يكن له إلا منارة الإسكندرية الذي أسسها في قعر البحر وجعل في رأسها مرآة يظهر البحر كله في زجاجتها. وكيف ومنا ملوك الهند الذين كتب أحدهم إلى عمر بن عبد العزيز: من ملك الأملاك الذي هو ابن ألف