التفت فقال: أيها المشفقون، ارحموا من شملته الخطايا، وغمرته البلايا، ارحموا من قطع البلاد، وخلف ما ملك من التلاد «١» ؛ ارحموا من وبخته الذنوب، وظهرت منه العيوب؛ ارحموا أسير ضرّ، وطريد فقر. أسألكم بالذي أعملتكم الرغبة إليه، إلا ما سألتم الله أن يهب لي عظيم جرمي. ثم وضع في حلقة الباب خدّه وقال: ضرع خدّي لك، وذل مقامي بين يديك، ثم أنشأ يقول:
عظيم الذنب مكروب ... من الخيرات مسلوب
وقد أصبحت ذا فقر ... وما عندك مطلوب
العتبي قال: سمعت أعرابيا بعرفات عشية عرفة وهو يقول: اللهم إن هذه عشية من عشايا محبتك، وأحد أيام زلفتك، يأمل فيها من لجأ إليك من خلقك، أن لا يشرك بك شيئا بكل لسان فيها يدعى، ولكل خير فيها يرجى؛ أتتك العصاة من البلد السحيق، ودعتك العناة من شعب المضيق؛ رجاء ما لا خلف له من وعدك، ولا انقطاع له من جزيل عطائك؛ أبدت لك وجوهها المصونة، صابرة على وهج السمائم «٢» ، وبرد الليالي، ترجو بذلك رضوانك؛ يا غفار، يا مستزادا من نعمه، ومستعاذا من نقمه، ارحم صوت حزين دعاك بزفير وشهيق. ثم بسط كلتا يديه إلى السماء، وقال: اللهم إن كنت بسطت يدي إليك راغبا، فطالما كفيتنيه؛ ساهيا بنعمتك التي تظاهرت عليّ عند الغفلة، فلا أيأس منها عند التوبة: ولا تقطع رجائي منك لما قدمت من افتراف، وهب لي الإصلاح في الولد، والأمن في البلد، والعافية في الجسد، إنك سميع مجيب.
ودعا أعرابي فقال: يا عماد من لا عماد له، ويا ركن من لا ركن له، ويا مجير الضعفاء، ويا منقذ الهلكى، ويا عظيم الرجاء، أنت الذي سبح لك سواد الليل وبياض النهار، وضوء القمر وشعاع الشمس، وحفيف الشجر ودوي الماء؛ يا محسن، يا مجمل، يا مفضل، لا أسألك الخير بخير هو عندك، ولكني أسألك برحمتك، فاجعل العافية لي