قرأت قول الله في الكتاب ... ما أنزل الرّحمن في الأحزاب
لعظم ما فيها من الثّواب ... الكفر والغلظة في الأعراب
وأنا فاعلم من ذوي الألباب ... أومن بالله بلا ارتياب
في عرشه المستور بالحجاب ... والموت والبعث وبالحساب
وجنّة فيها من الثياب ... ما ليس بالبصرة في حساب
وجاحم يلفح بالتهاب ... أوجه أهل الكفر والسّباب «١»
ودفع رحل الطارق المنتاب ... في ليلة ساكتة الكلاب
ولما أحضرناه ذات يوم جنازة، فقلنا له: يا أبا الزهراء، كيف رأيت الكوفة؟
قال: يا ابن أخي، حضرا حاضرا؛ ومحلا آهلا؛ أنكرت من أفعالكم الأكيال والأوزان، وشكل النسوان. ثم نظر إلى الجبانة فقال: ما هذا التلال يا ابن أخي؟
قلت له: أجداث الموتي، فقال: أماتوا أم قتلوا؟ فقلت: قد ماتوا بآجالهم ميتات مختلفات. قال: فماذا ننتظر نحن يا ابن أخي؟ قلت: مثل الذي صاروا إليه: فاستعبر وبكى؛ وجعل يقول:
يا لهف نفسي أن أموت في بلد ... قد غاب عني الاهل فيه والولد
وكلّ ذي رحم شفيق معتقد ... يكون ما كنت سقيما كالرمد
يا ربّ يا ذا العرش وفّق للرّشد ... ويسّر الخير لشيخ مختضد «٢»
ثم لم يلبث إلا يسيرا حتى أخذته الحمى والبرسام «٣» ؛ فكنا لا نبارحه عائدين متفقدين؛ فبينا نحن عنده ذات يوم وقد اشتد كربه وأيقن بالموت، جعل يقول:
أبلغ بناتي اليوم بالصّوى ... قد كنّ يأملن إيابي بالغنى «٤»
وقد تمنّين وما يغني المنى ... بأنّ نفسي وردت حوض الرّدى
يا ربّ يا ذا العرش في أعلا السّما ... إليك قدّمت صيامي في الظّما