الجاهلية عظيما شأنه، وفي الإسلام معروفا مكانه؛ ولقد أعطي يوم الفتح ما لم يعط أحد من آبائك، وإن منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلم نادى: من دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن؛ وكانت داره حرما، لا دارك ولا دار أبيك؛ وأما هند فكانت امرأة من قريش في الجاهلية عظيمة الخطر؛ وفي الإسلام كريمة الخبر، وأما جدك الصّديق فبتصديق عبد مناف سمى صديقا لا بتصديق عبد العزّى، وأما ما ذكرت من جدي المشدوخ ببدر، فلعمري لقد دعا إلى البراز هو وأخوه وابنه فلو برزت إليه أنت وأبوك ما بارزوكم ولا رأوكم لهم أكفاء، كما قد طلب ذلك غيركم فلم يقبلوهم، حتى برز إليهم أكفاؤهم من بني أبيهم، فقضى الله مناياهم بأيديهم فنحن قتلنا ونحن قتلنا. وما أنت وذاك؟ وأما عمتك أم المؤمنين فبنا شرفت وسميت أمّ المؤمنين، وخالتك عائشة مثل ذلك، وأما صفية فهي أدنتك من الظل، ولولا هي لكنت ضاحيا؛ وأمّا ما ذكرت من عمك وخال أبيك سيد الشهداء، فكذلك كانوا رحمهم الله، وفخرهم وإرثهم لي دونك، ولا فخر لك فيهم ولا إرث بينك وبينهم؛ وأمّا قولك: أنا عبد الله وهو معاوية، فقد علمت قريش أيّنا أجود في الإزم «١» ، وأحزم في القدم، وأمنع للحرم؛ لا والله ما أراك منتهيا حتى تروم من بني عبد مناف ما رام أبوك، فقد طالبهم بالذّحول «٢» وقدّم إليهم الخيول، وخدعتم أمّ المؤمنين ولم تراقبوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذ مددتم على نسائكم السّجوف «٣» وأبرزتم زوجته للحتوف ومقارعة السيوف، فلما التقى الجمعان نكص أبوك هاربا فلم ينجه ذلك أن طحنه أبو الحسين بكلكله طحن الحصيد بأيدي العبيد، وأمّا أنت فأفلتّ بعد أن خمشتك براثينه ونالتك مخاليبه، وايم الله ليقوّمنّك بنو عبد مناف بثقافها، أو لتصبحنّ منها صباح أبيك بوادي السّباع، وما كان أبوك المرهوب جانبه، ولكنه كما قال الشاعر:
أكيلة سرحان فريسة ضيغم ... فقضقضه بالكفّ منه وحطّما «٤»